من التأسيس إلي المحنة ... ومن الدكتاتورية إلي الثورة بقلم الكاتب عبدالباقي خليفة
لم تبن الدولة التونسية على أسس سليمة ، منذ أن عملت فرنسا على شق صفوف " الحزب الحر الدستوري " بقيادة الشيخ عبد العزيز الثعالبي ( 1876/1944م) صاحب كتابي " روح التحرر في القرآن " و " تونس الشهيدة " وعدد آخر من الكتب والرسائل ، وكان " الحزب الحر الدستوري " قد تم تأسيسه في 15 يونيو 1920م ، إبان الاحتلال الفرنسي البغيض لتونس ، وجاء رد الفعل الفرنسي سريعا باعتقال الشيخ الثعالبي ، وإيداعه السجن العسكري بتهمة التآمر على الدولة الفرنسية في 28 يوليو 1920م ، وهي السنة التي غزت فيها فرنسا الشام ، وتدخلت لصالح نصارى لبنان ومكنت فيها للمارونيين .
أضواء على الحرب المنظمة ضد الإسلام في تونس ( 1 من 2)
من الحبيب بورقيبه إلي بن علي : تجفيف الينابيع من 1957 وحتى 1987م
حرب الزيتونة
في السبعينيات بلغت جرأة " بورقيبة " على الإسلام وتعاليمه حدا لا يطاق في ظروف زعم فيها بعض الناس أن تونس لم تعد دولة مسلمة وأن مشروع التغريب أو بالأحرى " الفرنسة " حقق أهدافه.
حرب على صيام رمضان والحجاب والعلماء وجامع الزيتونة والأوقاف والمساجد والتاريخ
تأميم أكثر من 200 مسجد وبيعها لتتحول إلى مساكن ... بل تم تحويل مسجد في مدينة بنزرت إلي مرقص وثان إلي خمارة وآخر إلي متحف روماني.
جذور البلاء : ومع تصاعد احتجاجات الشعب التونسي ، تم إطلاق سراح الشيخ الثعالبي في الأول من مايو 1921م ، بعد أن زرعت بعض عملائها داخل الحزب ، ومن بينهم الرئيس التونسي السابق الراحل " الحبيب بورقيبة " و " حسن قلاتي " وآخرين ممن انشقوا عن الحزب في 2 مارس 1934م وظهور مؤامرة " سايكس بيكو " لتقسيم البلاد الإسلامية والعربية منها في القلب ، فالخطة كانت لها آليات تعمل بالخراب في داخل كل قطر.
ولذلك كان مشروع الشيخ الثعالبي يتجاوز تونس إلي كافة البلاد العربية وربما كان من أخطاء الشيخ الثعالبي الخروج من تونس وتركها نهبا لفرنسا وعملائها وفي مقدمتهم " الحبيب بورقيبة " وتتوافر دلائل يعضد بعضها على أن بورقيبة كان صنيعة فرنسا ، وأول هذه الدلائل ، موقف بورقيبة بعد سقوط فرنسا ، ومن ثم تونس ودول أخرى في أيدي الألمان في الفترة ما بين 1940 و 1944م ، فقد رفض التعاون مع الألمان إخلاصا لفرنسا وهذا ليس بعد نظر بقدر ما هو ارتباط بمشروع الهيمنة الفرنسية في منطقتنا وفي مقدمة ذلك تونس والمغرب العربي ، ففرنسا ساعدت بوقيبة ومن ثم " بن علي " على التخلص من خصومهما ، قبل ما يسمى بالاستقلال الذي تم توقيعه في 8 شعبان 1375 هـ الموافق 30مارس 1956 م فقتلت الشهيد النقابي " فرحات حشاد " في 5 ديسمبر 1953م لصالح " بورقيبة" كما أكد أحد القتلة وصاحب كتاب " الأيادي الحمراء" الفرنسية الإرهابية ، الضابط الفرنسي السابق " انطوان ميليور " وجدد اعترافه في شريط وثائقي ، ثم اغتيال " الهادي شاكر " في 13 سبتمبر 1953م ، بينما اغتال " بورقيبة " المناضل " صالح بن يوسف " في فرانكفورت بألمانيا في 6 يونيو 1961م وبذلك خلا له الجو تماما .
وأيدت فرنسا " بن علي " في تصفية الإسلاميين واستئصالهم على مدى 23 عاما مما يؤكد أن فرنسا لها حزب يحكم في تونس يراعي مصالحها ويأخذ ردود أفعالها في الحسبان حتى نقل عن حاكم تونس المخلوع قوله ردا على مشروع تطوير التعليم الذي قلص اللغة الفرنسية :" ما هذا ؟ كيف سيكون موقفنا إذا علمت فرنسا بأن لغتها تم تقليصها ؟ " !!
وتؤكد هذه الحقيقة مذكرات كثير من الفرنسيين في مواقع سياسية وأمنية حيث تفيد هذه المذكرات بأن بورقيبة ومن ثم " بن علي " كانا تلميذين نجيبين لفرنسا سواء في انقلاب الأول على الحزب الحر الدستوري الذي ما لبث أن حذف من اسمه كلمة " الحر " لأنه يعادي الحرية واستبدلها بكلمة الاشتراكي أو ربط " بن علي " مصيره بأوامر فرنسا ورضاها ... لقد كانت فرنسا حريصة على التعامل مع بورقيبة حامل ثقافتها مفضلة إياه على أنصار الهوية الإسلامية بحثا عن منفذ لجعل تونس والمغرب العربي الإسلامي نصرانيا ، بتجفيف منابع التدين الإسلامي وهذه السياسة الفرنسية لم تتبدل ولم تتغير في عهدي " بورقيبة " و " بن علي " وحتى اليوم .
" بورقيبة " وبشهادات فرنسيين عاصروا تلك المرحلة كان حريصا على خدمة فرنسا في تونس من خلال حرب على الهوية الإسلامية وعدم السعي لقيام صناعة وطنية ، وبقيت تونس كغيرها من الدول التي تحكمها طغمة عميلة ، مجرد أسواق فقط ، بدون إنتاج تكنولوجي وإلكتروني يستحق الذكر فالعمالة لا تتوقف عند إقامة قواعد عسكرية ولا عند دعم احتلال بلاد المسلمين الأخرى ولا تخزين أموال الأمة في بنوك الأعداء بدون ضمانات بإمكانية إعادتها ، ولا في تنفيذ أملاءات الخارج في كيفية إدارة البلاد ورسم مناهج التعليم وسياسات الإعلام فحسب وإنما أيضا في عدم السعي الجاد لبناء قوة تكنولوجية وإلكترونية وفي الوقت نفسه تمول الحملات ضد الإسلام بأنه ضد التطور والتقدم فهي عمالة وخيانة مزدوجة وما يسمى إنجازات في هذا البلد أو ذاك يقابله السؤال الملح : هل بالإمكان أن تكون الإنجازات أكثر وأفضل ؟
وبالقطع فإن الرد الرسمي غير الموضوعي هو ما يعلن في غياب صحافة حرة وأحزاب معارضة حقيقية ومؤسسات محاسبة ومتابعة أفضل ؟ وما المعايير السياسية والاقتصادية ومعايير الشفافية في اعتماد الردود المعلنة ؟ وما مسؤولية السلطات الحاكمة في تغييب هذه الحقائق ؟ وما دور الفساد والمحسوبية في تلميع إنجازات هي بالتأكيد دون الإمكانيات المتوافرة للدولة ؟
المصدر :
مجلة المجتمع - العدد 1937 - 25 صفر 1432 هــ -29/1/2011م