حيفا ويافا بلادنا . د صلاح الخالدي
. .تابعت باهتمام "فعاليات" إحياء ذكرى النكبة الثانية والستين، على أكثر من فضائية، وفي أكثر من موقع، وكنت معجباً بفقرات ومظاهر تلك الفعاليات، في مجمع النقابات عندنا في عمان، وفي قطاع العزة في غزة، وفي القدس حول الأقصى المبارك، وفي لبنان وسوريا وتركيا، وفي فلسطين المحتلة عام ثمانية وأربعين، بل حتى في أوروبا، في المؤتمر الذي عقد في ألمانيا، والذي زاد في إعجابي وتفاؤلي مشاركة الصغار في كثير من تلك الفقرات، الذين كانوا بنفس تصميم أجدادهم، على الإيمان بحق "العودة" وعدم الاعتراف بالكيان اليهودي، وعدم التنازل عن شبر من أرض فلسطين كلها.
لقد كانت هذه الحقائق أكثر رسوخاً ووضوحاً ويقيناً وثباتاً في هذه الذكرى الثانية والستين، عما كانت عليه في السنوات السابقة، وهذا مما يزيد في إحباط وخسارة اليهود، الذين كانوا يراهنون على "نسيان" الأجيال الجديدة لفلسطين، بعد وفاة الجيل الأول، الذين عاشوا في فلسطين، ثم "هُجروا" منها!!
إن مرور السنوات على "نكبة" فلسطين لا يؤدي إلى نسيانها، وإنما يؤدي إلى استقرار حضورها وتذكرها، وإن الأجيال الجديدة من المسلمين أكثر تذكراً ومعايشة وتفاعلاً مع القضية، ويا خسارة اليهود!!
لقد فتحنا عيوننا على الأحداث الساخنة لنكبة فلسطين، وأدل كلمة وعتها ذاكرتي هي "قضية فلسطين، فأنا مولود قبل النكبة بستة شهور في 1/12/1947م. وكان جنود الجيش العراقي الأبطال الذين خاضوا معركةجنين ببسالة وبطولة يعسكرون حول بيتنا على مشارف المدينة، في "جبل أبو ظهير" المعروف، وكنت أرى هؤلاء الجنود وأنا في السنة الأولى من عمري!!
وما زلت أذكر كيف كنا نحتفل بعيد الفطر وعيد الأضحى في الساحة الواسعة القريبة من مقبرة جنين، وكنت في السنة السادسة من عمري حيث كنا نركب الباص، نحن الأطفال الصغار، ويدفع أحدنا "تعريفة" (أي: نصف قرش)، وكان الباص يذهب إلى "جسر خروبة" القريب من الحدود من الأرض المحتلة شمال المدينة، وكنا نهتف و"ننشد" أناشيد حماسية، أثناء الذهاب وأثناء العودة، وأعمارنا لم تتجاوز السابعة، وما زالت ذاكرتي تحتفظ بعد هذه المدة بهتافنا أثناء العودة من الحدود "حيفا ويافا بلادنا واليهود كلابنا.. رحنا وجينا منصورين، واليهود مكسرين"!!
فلسطين المباركة المقدسة هي القضية المركزية الأولى، لكل أجيال المسلمين المعاصرين سواء كانوا أجداداً، أخرجوا من بيوتهم ومعهم المفاتيح والشهادات و"الكواشين"، أم كانوا آباء عاشوا في بلاد الشتات، وما نسوا فلسطين، أم كانوا أحفاداً أرضعوا حب فلسطين مع حليب أمهاتهم، أم كانوا أطفال هؤلاء الأحفاد رأيناهم على شاشات الفضائيات في هذه الأيام!!