إن البكاء من خشية الله -تعالى- مقام عظيم، وهو مقام الأنبياء والصالحين ، إنه مقام الخشوع وإراقة الدموع من الخوف من الله، إنه التعبير عن حزنٍ القلب وانكسار الفؤاد
إن القلوب إذا استشعرت عظمة الله تعالى ملكها الخوف منه تبارك وتعالى
فهل نحن من الباكين من خشية الله ؟
ما أحلى دموع الخشية إذا هملت من أعين الخائفين
هنالك تتنزل الرحمات وتكتب الحسنات وترفع الدرجات
فهل حاسبنا أنفسنا يومآ أين نحن من تلك اللحظات؟
أين نحن من ركب الباكين؟
كم دموع لغير الله أريقت ؟
وكم بكاء لأجل شهوات النفوس توالت ؟
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه :
(لأن ادمع من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بإلف دينار)
فهنيئا لمن أسعفته الدمعات
قبل يوم الحسرات
هنيئآ لمن تعجل البكاء
قبل حسرات يوم اللقاء
عن انس بن مالك رضي الله عنه قال:
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب وقال:
( عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً قال :فما أتى على أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام يوم اشد منه قال :غطوا رؤوسهم ولهم خنين )
وعن هانئ مولى عثمان رضي الله عنه قال :
كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فقيل له تذكر الجنه والنار فلا تبكى وتبكى من هذا فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(إن القبر أول منزل من منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعه اشد منه)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( ما رأيت منظراً قط إلا القبر أفظع منه )
فيا غافلين عن دموع الباكين
ويا لاهين عن عظمة تلك اللحظات
أما علمتم أن دموع الخائفين أحب الدموع إلى الله تعالى !
قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين :قطرة من دموع في خشية الله وقطرة دم ترق في سبيل الله وأما الأثران فأثر في سبيل الله وأثر في فريضة من فرائض الله )رواه الترمذي
فهل نكن من أهل الصدق الذين استعدو قبل الممات وأعدو قبل الحسرات
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( عينان لا تمسهما النار :عين بكت من خشيه الله وعين باتت تحرس في سبيل الله )
وقال عليه الصلاة والسلام:
( سبعه يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ..
فذكر منهم ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه )
بكى أبو هريرة رضي الله عنه في مرضه فقيل له ما يبكيك فقال: ( أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ولكن أبكي على بعد سفري وقله زادي وإني أمسيت في صعود على جنه أو نار لا أدري إلي آيتهما يؤخذ بي )
لمثل تلك الشدائد هملت دموع الخائفين وكثر وجل العارفين
فهل نعمل ليوم التراب و لساعة الحساب و لنبكي قبل أن نرحل من دار الخراب
و لنحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب
ولا نكن كهؤلائك الغافلين الذينأسالوا دموع الهوى وأنقطعت عنهم دموع الخشية
اللهم لا تجعلنا منهم
قال تعالى :{وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}(109) سورة الإسراء.
فلنتأثَّر ولنقتدي بهؤلاء
إذا وقف الخلائق غداً بين يدي الله تعالى فاز الباكون من خشية الله بتلك المنزلة الرفيعة فما أسعدهم بذلك الأمر
اللهم ارزقنا قلوباً خاشعة، وأعيناً باكية يا أرحم الراحمين
