المدينة الفاضـلة -!!
حلم " أفلاطون " الذي فارق الحياة ولم يرَ ذلك الحلم يتجسد على أرض الحقيقة .. وسينتهي الكون دون أن ننعم بالعيش في تلك المدينة الأفلاطونية ، وهذا ليس أمراً غريباً ولا شذوذاً عن القاعدة ، بل هي سنة الخالق في خلقه ، خلق آدم لعبادته ، وأمهل الشيطان إلى يوم يبعثون ، وهبط الجميع إلى الأرض ، بعضهم عدو بعض ، فالشر والخير ، والفضيلة والرذيلة ، موجودان إلى يوم الدين ، فلا مكان للمدن الفاضـلة التي كان يحلم بها السيد " أفلاطون " ..
- ولكـن -!!
من يملك الجرأة ويعترف ، بأنه ليس من الملائكة ، كل من يقرأني الآن يرى بأنه ( حالة خاصة ) ، وربما كان ( طفرة جينية ) ، كل المُثُل لدي لا تُنتهك ، وهو حامل لواء القِيَم نحو بناء المدينة الفاضلة ، غير مؤمنٍ بأنه بشر ، غير منزه ، ولا معصوم ، معه شيطانه وقرينه الذي يسول له ، وله نفسٌ وهوى ، قلّةٌ هم القادرون على عمل ( كونترول ) ذاتي ، الكارثة .. أن من يرى نفسه كذلك ينظر للغير على أنهم مجردين من كل فضيلة ، عيب من أخترع المرآة أنه أكتفى بأن ننظر لمظاهرنا من خلالها ، لنكون أحرص على عدم ميلة ( المرزام ) ، وأن الكحل لم يسيل ...
- مجتمعٌ غير قابل -!!
لدينا حساسية مفرطة من النقد .. وننظر لمن يعيبنا أو ينتقدنا بأنه حاقدٌ حاسدٌ لنا على قدراتنا الخارقة ، وتميزنا اللامحدود , ولو وقف الواحد مع نفسه لوجد أنه إنسان ( بسيط ) ، غير خارقٍ للعادة ، ولاسفيرٍ فوق العادة ، ونعلم ذلك في قراراة أنفسنا ، ولكننا مجتمعٌ يعاني من عقدة ( أفلاطون ) والمدينة الفاضلة ، نعم .. أنا أريد أن أكون ، وأنت كذلك ، وأنتي ، لكننا نبقى بشراً نعج بالعيوب ، والذنوب .. حقيقة يجب أن نعترف بها ، ونعمل على تحسين ( صورنا ) التي يكفي مافيها من تشويه ، غير قابلٍ لأمهر عمليـات التجميل ..
- حتى في حواراتنا -!!
ونقاشاتنا في قضايانا ، نصرُّ على رفض الأخر وعدم تقبله ، لأننا الأصح وقادة ( مكارم الأخلاق ) ، نملك إصراراً عجيباً على عدم الإقتناع بالرأي الآخر ، بالرغم من حالات الإعوجاج التي يعاني منها مجتمعنا ، وتحتاج لطرحٍ ونقاشٍ واعي ، بعيداً عن كل التشنجات والقناعات الشخصية ، نفتقد ( المرونة ) في كل إختلاف ، وكأن أرائنا عقائد سلّمنا بها ، لاتحتمل النقاش ، ولا الأخذ والرد
- وفي عصر الأقنعة -!!
حتى إختراعات الدول المتقدمة التي وصلت إلينا متأخرة ، إستخدمناها أسوأ إستخدام ، فالأنترنت بدلاً من أن يكون قناةً للثقافة ، والحوار وتبادل الخبرات ، أصبحنا نتعامل معه بكل إسفاف وللأسف ، وأصبح ميداناً لكثرة ( الملائكة ) والمثاليين القابعين خلف الأقنعة ، فأصبح أرضاً خصبة لإفرازاتنا النفسية وتحقيق أحلامنا عبر أواهمنا ، فكل من لم يستطع أن يكون ( مثالياً ) في الحياة العامة ، وعنصراً صالحاً في مجتمعٍ أقل عيوباً ، كل ماعليه أن يرتدي قناعاً ويحمل راية التصحيح لأنه الأفضل ، والأكمل ، والأميز ، و.....و.....إلخ .
- أنا أكثركم عيوباً -!!
ليس معنى كلامي هذا بأنني وحدي أغرد خارج السرب ، بل وربي لربما كنتُ أكثركم غرقاً في العيوب ، ولكن هل إعترفنا بذلك ؟ ، وحاولنا أن نتخلص من كل مايشوبنا ؟ ، وندلُ بعضنا على كل مظاهر ( النقص ) التي تعترينا ؟ ، مستحيلٌ أن نتقبل عيوبنا من الأخرين ، رغم أن بعضنا متيقنٌ من تلك العيوب ، لكن الإعتراف في نظره يجعله ( دون ) الطموح ، ذلك الطموح الذي لايختلف عن أحلام " أفلاطون "
.
- تسـاؤلات عابرة -!!
. متى ننظر إلى دواخلنا ، ومحيطنا ، ونترك ماوراء النجوم ، نحافظ على مكتسباتنا ، ونحاول تعويض وتصحيح حالات الشذوذ لدينا ؟!
. متى نبتسم في وجه من يصرخ بنا " أنتم مخطـئون " ؟!
. متى نمنح أنفسنا درجةً معقولة من الوعي ، تجعلنا قادرين على تقبل مانتلقاه من أقوال وأفعال ، حتى وإن كانت خاطئة ، ونحن الأصح ، الوعي كفيلٌ بأن نحسن التعامل مع تلك الممارسات ؟!
. نرتكز بطبيعة الحال على ( عقيدتنا ) ، فعاداتنا ، وتربيتنا ، ولكن متى نكون قادرين على الإستنباط وتحكيم العقول ؟! فعلماء المسلمين كانت أكثر مناظراتهم ( بالعقل ) لا ( بالنقل ) لأنهم يتحاورون مع أطرافٍ لاتؤمن بدليلٍ ( نقلي ) وإلا لما ناقشوهم ..
. متى نستغل كل قنوات الحوار ومن ضمنها الأنترنت في علاج مشاكلنا ، وإبراز مواهبنا ، وتقوية أقلامنا ، ونجيد التعامل مع متصفحاتنا ومن عليها ؟! فالقلم والكتابة لدينا ( قبل الأنترنت ) كانت تعاني ، وتعاني ، لضيق ميدانها ، فكانت أكثر الأقلام تكتب لأصحابها فقط ، فلماذا لانستغل ( الميدان ) الذي توفر لنا متأخراً لنرتقي بنا ، وبمجتمعنا ، أمام من يتصفحنا ؟ .
. مشكلة من يعيش في أبراجه العاجية ، أنه لايعلم بأن كل العالم يعرفون بأنه ليس كذلك ، لسببٍ بسيط فقط ، هو أن " أفلاطون " لم يحقق حلمه ....