الشرق والغرب
الشرق مهد الأديان، فروحه متشعبة بالإيمان، وقلبه أشرب باليقين
والاطمئنان، وهما (الروح والقلب) سر كل نهضة شرقية، فما من نهضة حقيقية فيه
إلا وللروح مكانها فيها، وللقلب حياته وهيمنته على جوانبها، وإذا خلت حركة
الشرق وتعاملاته يوماً من أثر الروح والقلب، فإن العفاء غير بعيد عنه،
ولقد ارتبطت حركة الشرق قوة وضعفاً بحركة الروح السارية فيه، فإن هيمن وملك
على الروح أقطارها، ورسم لها مسلكها في الحياة، قويت الأمة ولو لم تملك كل
المقومات المادية.
إن الحضارة الحديثة تقوم على العقل وتعنى به أشد
العناية، ولا تلقي بالاً للروح ولا تعطيها حظها أو بعض حظها من الاهتمام،
فالعلم هو أساس كل حركة وله القيادة في كل مضمار، ثم تأتي المظاهر المادية
المترتبة على هذا العلم في أوجه النشاط المختلفة لتسوق الإنسان نحو غاية
بعينها، لا مكان فيها لقلبه، ولا عناية بروحه حتى ضمر قلبه وذبلت روحه،
ونما عقله نمواً عظيماً، وبرزت عضلات جسمه بحيث يراها كل إنسان.
ورغم
التقارب العصري في وسائل المواصلات والاتصالات فإن ذلك لا يلغي طبيعة
الشعوب، فسوف يبقى الشرق شرقاً والغرب غرباً، لكل منهما طبيعته ولكل منهما
سماته وصفاته.
فالشرق يقوم أول ما يقوم على الروح الدينية وعلى إحياء
النوازع الأخلاقية، والتمسك بالقيم والفضائل الإنسانية، والعلم يأتي تبعاً
لذلك بحيث تخفف من جفوة العلم الروح الإنسانية السمحة، التي تعرف التسامح
حتي في البيع والشراء، والأخذ والعطاء.
والغرب يقوم أول ما يقوم على
العقل والعلم والمادة، وفي سبيل ذلك تُلغى القيم أو تبقى وتُمحى معالم
الإنسانية أو تبقى، لا يهم ذلك ـ عندهم ـ طالما أن العقل يعمل، والعلم تظهر
ثماره ونتائجه، ويحصد الناس مردود عمله من الماديات الكثيرة في حياتهم.
وهذه
البدهيات تدفع بنا دفعاً قوياً للأخذ بشرع الله والاحتكام إلى شريعته، حتى
نحيي في الأمة بواعث النهضة.
إن المنهج الإسلامي أثبت أنه هو الذي
يستقيم مع فطرة الناس، وأنه المحرك الأساسي للناس في الشرق الإسلامي، وهو
أحد أبرز أسباب الانتصار على الأعداء في حطين وعين جالوت وغيرهما من
المواقع والمعارك، فلماذا نترك العلاج المجرب ونجري وراء علاج غير مأمون
العواقب نجلبه من هنا أو هناك؟.
دمتم برعاية الله