- من سيحكم مصر بعد مبارك؟ يبقى السؤال الاكثر الحاحا، سواء بين عامة المصريين او في دوائر النظام ودهاليزه السرية، رغم الهدوء على السطح، والصور الصامتة التي بثهاالتلفزيون المصري امس الاول للرئيس جالسا مع طبيبيه الالمانيين.
وبدا الرئيس المصري (81 عاما) في تلك الصور وقد انخفض وزنه بشكل ملحوظ، خلال الاحد عشر يوما التي اختفى فيها عن الانظار منذ دخوله مستشفى هايدلبرغ التعليمي، حيث اجرى جراحة لاستئصال الحوصلة المرارية وورم حميد من الاثني عشر، حسب تصريحات الدكتور ماركوس بوشلر رئيس الفريق الالماني المعالج، وأحد اشهر الجراحين المتخصصين في جراحات الكبد والبنكرياس في العالم. ويبدو ان صور مبارك والتصريحات الاحدث للدكتور بوشلر عكست ارتباكا في ادارة ملف صحة مبارك، واضافت الى الاسئلة بدلا من ان تجيب عنها، ومن بينها:
ـ لماذا لم يتحدث الرئيس بعد الى شعبه كما تحدث مع طبيبيه، للرد على تشكيك في صدقية الصور التي تم بثها؟ وكان زكريا عزمي وعد بعض مقدمي البرامج الحوارية في التلفزيون المصري باجراء اتصال هاتفي مع الرئيس الا ان ذلك لم يحدث.
ـ لماذا لم يحدد الفريق المعالج بعد تاريخا ولو تقريبيا لخروج الرئيس من المستشفى، ناهيك عن عودته الى الوطن بعد تكهنات بأنه قد يقضي فترة نقاهة في مدينة بايدن الالمانية؟
ـ ما اسباب التجارب المعملية اليومية التي خضع لها الرئيس بشكل يومي منذ اجراء الجراحة حتى امس الاول، اذا كانت نتائج الفحوص الاولى لطبيعة الورم في الاثني عشر سلبية، كما اعلنوا في مؤتمرهم الصحافي الاول؟ وهل كانت لها علاقة بالمرحلة التي اكتشف فيها الورم؟.
وبشكل متزايد يتنامى شعوربمشروعية بل ووجوب الخوف من ان مصر مقبلة على مرحلة من فراغ السلطة مع استمرار حالة 'العجز المؤقت' في سدة الحكم لوقت غير محدد حتى الان، ما دفع النظام الى ارسال تطمينات امنية وسياسية الى الدول الكبرى والصديقة عبر سفاراتها في القاهرة.
بالنسبة لكثير من المصريين، فان عملية اختيار الرئيس المقبل هي 'شأن من يحكمون البلاد'، ولا يتوقعون ان يكون لهم دور حقيقي فيها، الا ان هذا لا يمنعهم من القلق على المستقبل، والالتفاف حول فكرة الدولة التي هي جزء من تراث المصري وثقافته، وليست مفهوما طارئا كما الحال في كثير من بلاد الشرق الاوسط. وبالقدر نفسه يفرض هذا الغياب غير المسبوق للرئيس امتحانا صعبا على مؤسسات الدولة ودولة المؤسسات، وتبقى نتيجته مرتهنة بعوامل بعضها متحرك ولايمكن توقعه.
وعلى اي حال فان رئيسا جديدا للبلاد لابد له ان يحصل على دعم مشترك من هيئة الامن القومي (المخابرات العامة)، والمخابرات الحربية، والحرس الجمهوري، وجهاز امن الدولة قبل ان يحظى بالدعم الدستوري المطلوب لتولي منصب رئاسة الجمهورية الذي يمنح شاغله نحو 17 منصبا رئاسيا اخر لكافة مؤسسات الدولة العسكرية والسياسية والامنية والقضائية والتنفيذية.
ويرجح البعض تغلب نهج التوافق في اطار الدستور، كما حدث بعد غياب الزعيمين عبد الناصر والسادات، الا ان عدم وجود نائب قد يصعب عملية الاختيار هذه المرة، كما ان الرئيس السادات احتاج الى تصفية خصومه عام 1971في حملة اعتقالات اسماها 'ثورة التصحيح' قبل ان يستقر له الحكم.
الا ان كثيرين يتوقعون ان يستمر الرئيس في منصبه، وان تأثرت صحته بعد عملية هايدلبرغ، ويمكن ان يشرف بنفسه على انتخابات رئاسية قد تحمل نجله الى سدة الحكم.
وباستثناء هذا الاحتمال، وبحسابات 'المؤسسة' لابد ان يبرز اللواء عمر سليمان اما كمرشح رئيسي او كصانع للرئيس المقبل، اذا فضل الاحتفاظ بمنصبه، بدعم المرشح التوافقي لاذرع المؤسسة لاسباب عديدة بينها:
ـ ان طبيعة دوره كانت الاقرب الى منصب نائب رئيس للجمهورية مقارنة بجمال مبارك الذي كان اقرب الى رئيس وزراء فعلي او نائب لرئيس الحزب الحاكم.
ـ انه الوحيد من (رجال المؤسسة) الذي اتيح له ان يثري خلفيته العسكرية والامنية بخبرة عملية في السياسة الخارجية، وهو ما يشبه مؤهلات مبارك نفسه عندما تولى الرئاسة بعد ست سنوات نائبا للرئيس السادات.
ـ ان توليه الرئاسة يمكن ان يضمن استمرار 'الوضع القائم' من جهة، مع امكانية التفاهم مع المعارضة على تلبية جزء من مطالبها الاصلاحية من جهة أخرى، خاصة انه قد لا يطمح للبقاء في المنصب اكثر من فترة واحدة بسبب تجاوزه الخامسة والسبعين من العمر.
ـ ان هذه الصيغة التوافقية والواقعية قد تعفي 'المؤسسة' من حرج مواجهة خطر تحول السخط العام والاحتقان الشعبي الى انفجار او فوضى، خاصة بعد تعهد احزاب المعارضة مؤخرا بتصعيد الاحتجاجات الشعبية.
وحتى اشعار اخر، لا يمكن معرفة معطياته، سيبقى محل ترقب الجميع كنه التغيير في مصر، كونه كان مصدر الهام رئيسي للتغيرات في هذه المنطقة من العالم طوال الاربعة الاف عام الماضية، وهو وضع لن يتغير في المستقبل المنظور