كان النبي صلى الله عليه و سلم رحمة حقيقة للفقراء ..
رحمة لهم كمشّرع، رحمة لهم كحاكم، ورحمة لهم كغني ، ورحمة لهم كنبي قبل كل شيء!
يقول المستشرق الإسباني جان ليك:
" وقد برهن ~ صلى الله عليه و سلم ~ بنفسه على أن لديه أعظم الرحمات لكل ضعيف ، ولكل محتاج إلى المساعدة ، كان محمد ~ صلى الله عليه و سلم ~ رحمة حقيقة لليتامى والفقراء وابن السبيل والمنكوبين والضعفاء والعمال وأصحاب الكد والعناء" [1] .
وكان - كما تقول كوبولد -: "كريمًا بارًا كأنه الريح السارية، لا يقصده فقير أو بائس إلا تفضل عليه بما لديه، وما لديه كان في أكثر الأحايين قليلاً لا يكاد يكفيه" [2] .
"ومن يجهل أنه ~ صلى الله عليه و سلم ~ لم يعدل، إلى آخر عمره، عما يفرضه فقر البادية على سكانها من طراز حياة وشظف عيش؟ وهو لم ينتحل أوضاع الأمراء قط مع ما ناله من غنى وجاه عريض.. وكان ~ صلى الله عليه و سلم ~ حليمًا معتدلاً، وكان يأتي بالفقراء إلى بيته ليقاسمهم طعامه" [3] .
وذات مرة " أوحى الله تعالى إلى النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ وحيًا شديد المؤاخذة لأنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى ليخاطب رجلاً غنيًا من ذوي النفوذ" [4] .
ويلخص واشنجتون إيرفنج السلوك المالي للنبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ بقوله :
"كان الرسول ~ صلى الله عليه و سلم ~ ينفق ما يحصل من جزية أو ما يقع في يديه من غنائم في سبيل انتصار الإسلام، وفي معاونة فقراء المسلمين، وكثيرًا ما كان ينفق في سبيل ذلك آخر درهم في بيت المال.. وهو لم يخلف وراءه دينارًا أو درهمًا أو رقيقًا.. وقد خيره الله بين مفاتيح كنوز الأرض في الدنيا وبين الآخرة فاختار الآخرة !" [5] .
وفي يوم ازدحمت عليه الأعراب يطلبون المال حتى اضطروه إلى شجرة، فانتزعت رداءه فقال : "أيها الناس، ردوا علي ردائي ! فو الذي نفسي بيده لو كان عندي عدد شجر تهامة نعماً لقسمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً " [6] .
ورد على هوازن سباياهم وكانت ستة آلاف، وأعطى العباس من الذهب ما لم يطق حمله!
وحُملت إليه تسعون ألف درهم فوضعت على حصير !! فقام إليها يقسمها، فمارد سائلاً حتى فرغ منها [7] !.
وأعطى صفوان بن أمية غنماً ملأت وادياً بين جبلين فقال صفوان: أرى محمداً ~ صلى الله عليه و سلم ~ يعطى عطاء من لا يخشى الفقر !
وفي ذلك؛ نرى في شخص رسول الله ~ صلى الله عليه و سلم ~ نموذج الحاكم المسلم العفيف، الذي يتعفف عن المغانم والأموال في سبيل سد أبواب الفقر في المجتمع الإسلامي، كما أنه ~ صلى الله عليه و سلم ~ بهذا المسلك يكون قدوة وأسوة للأغنياء، فيكون محفزاً لهم على البذل والإنفاق فوق الزكاة المفروضة..