موقف الإسلام من خلق الشجاعة
أولا: الشجاعة عند العرب:
الشجاعة خلق فضل امتدحه العرب قبل الإسلام وكان الفارس مفخرة لقبيلته وعشيرته ، وكان السبب الرئيسي لشجاعة العرب أنهم دائما يستعدون للدفاع عن النفس من عدوهم. وكانت الغلبة فيهم يكرمون الشجاع ويتفاخرون بالشجعان، وينظرون إلى الجبان نظرتهم إلى النساء بل هو دونهن.
قال ابن خلدون عن شجاعة العرب:... وأهل البدو لتفردهم عن المجتمع وتوحشهم الضواحي وبعدهم عن الحامية وانتبادهم عن الأسوار والأبواب قائمون بالمدافعة عن أنفسهم لا يكلونها إلى سواهم ولا يثقون فيها بغيرهم فهم دائما – يحملون السلاح... إلى أن قال: قد صار لهم البأس خلقاً والشجاعة سجية.
وكانوا يتمادحون بالموت قطعا، ويتهاجون بالموت على الفراش ويقولون فيه مات فلان حتف أنفه. وعن بعضهم وقد بلغه قتل أخيه أن يقتل فقد قتل أبوه وأخوه وعمه وأنا والله لا نموت حتفا ولكن قطعا بأطراف الرماح وموتا تحت ظلال السيوف.
قال السمؤل:
وما مات منا سيد حتف أنفه
ولا طل منا حيث كان قتيل
تسيل على حد الظباة نفوسنا
وليست على غير السيوف تسيل
وقال آخر:
وأنا لتستحلى المنايا نفوسنا
ونترك أخرى مرها فنذوقها
ومن خلال هذه النصوص يتضح شجاعة العرب في الجاهلية. ثم أنهم لما أسلموا لم يتركوا هذه الصفة. هذا لأن الإسلام رحب بها وأقرها لهذا نجد رجالا شجعانا في الجاهلية والإسلام مثل خالد بن الوليد، وعمر ابن الخطاب، وعلى ابن أبي طالب.
فأما عن شجاعة خالد فقد روى أحمد بسنده عن وحشي بن حرب أن أبا بكر رضي الله عنه قد عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردة وقال أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد وسيف من سيوف الله سلم الله عز وجل على الكفار والمنافقين ففي هذا الحديث لقب الرسول صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بسيف الله. فهو يدل على القوة والشجاعة. وكان خالد اعتنق الإسلام سنة ثمان من الهجرة. فهذا يدل على أن شجاعته كان من قبل الإسلام وقبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وعن مهارته في الحرب فقد روى البخاري بسنده عن أنس رضى الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفر وابن رواحه للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال: أخذ الراية زيدا فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ أبن رواحه فأصيب ـ وعيناه تزرفان ـ حتى أخذها سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم. فالمراد بقوله: "سيف من سيوف الله" هنا، كما قال ابن حجر خالد بن الوليد، ومن يؤمذ يسمي سيف الله".
فأما من شجاعة عمر بن الخطاب أنه لما دخل الإسلام طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن يصلوا جهارا في الكعبة لهذا يقال أنه أول من جهر بالإسلام فقد ذكر الهيثمي فيما رواه الطبراني بسنده عن ابن عباس قال: "أول من جهر بالإسلام عمر بن الخطاب".
ويكفى بأن الشجاعة سجية للعرب أن يسأل بعضهم بعد أن أسلموا الرسول صلى الله عليه وسلم عن حكم من يقاتل شجاعة أي اظهارا لشجاعته فقد روى البخاري بسنده عن أبي موسى قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل حميه، ويقاتل شجاعة، ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". فسؤال الرجل هذا لا يكون إلا عنا الأخلاق المنتشرة عند قومه، خصوصا ما كان قبل الإسلام لأن الحمية وهي نوع من العصبية، والرياء وهو نوع من التفاخر من الأخلاق المنتشرة عند العرب.
ثانياً موقف الإسلام من الشجاعة:
فلما جاء الإسلام أقر هذه الصفة أعني الشجاعة وينهي عن الجبين قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود بسنده عن أبي هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "شر ما في الرجل شح هالع وجبن طالع". وأصل الهلع الجزء أي شر ما في الرجل البخل الذي بمنعه من اخراج الحق عليه فإذا استخرج منه هلع وجزع منه. ومعنى جبن خالع أي شديد كأنه يخلع فؤاده من شدة خوفه. والمراد به ما يعرض من نوازع الأفكار وضعف القلوب عند الخوف.
وقد جاءت أحاديث كثيرة على أن الرسول صلى الله وسلم استعاذ من الجبن منها ما رواه البخاري بسنده عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم أني أعوذ بك من المعجز والكسل والجبن والهرم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات وأعوذ بك من عذاب القبر".
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتصف بهذه الصفة المحمودة. فقد روى البخاري بسنده عن أنس رضى الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأشجع الناس، وأجود الناس، ولقد فزع أهل المدينة فكان النبي صلى الله عليه وسلم سبقهم على فرس وقال:وجدناه بحراً".
والإسلام لما أقر هذه الصفة أمر أن تكون شجاعة المرء في موضعه وإلا سيكون بطرا وتجبرا ورياء. وقد نهي الله عن ذلك. قال تعالي: (كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس