الهدهد والدعوة إلى الله
الدعوة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى لا تقتصر على فئة معينة أو شخص معين ولكنها تجب على كل مسلم في كل زمان ومكان سواء كان هذا المسلم عالم أو غير عالم. وقد حثنا صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر والعمل به مهما كانت درجة التبليغ وقد قال صلى الله عليه وسلم: «بلغوا عني ولو آية» [رواه البخاري].
ولقد فطر الله سبحانه وتعالى الكائنات على توحيده والإخلاص له؛ فكل ما في الكون ينادي بتوحيد الله وعبادته وفي هذا الخصوص والشأن العظيم، نجد الهدهد، ذلك الطائر الوديع الجميل يضرب أروع الأمثال في الدعوة إلى الله وإلى توحيده، أمام نبي الله سليمان عليه السلام.
وفحوى الدعوة من هذا الطائر الخفيف تتعاظم في أنها دعوة قوم وملك وليست دعوة شخص، ولندخل في قلب هذه الدعوة التي جاء بها الهدهد بدون سابق تكليف من نبي الله سليمان، بل إنها بمحض الظروف التي وجدها الهدهد أمامه وذلك عندما تفقد نبي الله سليمان الطير فوجد هذا الهدهد من الغائبين، فتوعده بالعقاب أو بالذبح إن لم يجد من غيابه فائدة، وبعد فترة من الزمن ليست طويلة جاء الهدهد إلى سليمان، وقال: "يا نبي الله؛ لقد علمت ما لم تعلمه، وعندي لك خبر صادق لابد من إدراكه بسرعة". أيها الهدهد تكلم: "ما الذي حدث وماذا رأيت؟"، يقول الهدهد: "يا نبي الله لقد وجدت امرأة وقومها يشركون بالله، ولا يعبدونه ويعبدون الشمس، وزين لهم الشيطان أعمالهم، فأعماهم عن التوحيد وعن عبادة الله الواحد الديان، يا نبي الله: ماذا لو سجدوا لربهم الذي يخرج الخبء من السموات ومن الأرض ويعلم كل شيء من السر والجهر، الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم"، ويصدر سيدنا سليمان أمر التكليف إلى الهدهد، ويعطيه الكتاب لدعوة هؤلاء إلى عبادة رب العالمين {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ﴿٣٠﴾ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [سورة النمل: 30-31]، كل ذلك، والهدهد في رحلات ذهابا وإيابا، من أجل الدعوة والتعريف بوحدانية الله.
ولما جاء الأمر "لبلقيس ملكة سبأ" وعرضته على وزرائها، خولوا إليها الأمر في القرار، وقررت إرسال هدايا وأموال إلى نبي الله نظير هذا الأمر وتركه، ولكن ما قيمة هذه الأمتعة والأموال عند نبي من أنبياء الله، إنها لا تساوي شيء، وقال سيدنا سليمان للهدهد: إن هداياكم التي تفرحون بها مدد قليل وما آتانا الله خير مما آتاكم، ولا نكف عن هذا الأمر ولا نرجع عنه إلا إذا آمنتم بالله، ونحن قادمون إليكم بجنود لا قبل لكم بها، ثم يأمر سيدنا سليمان من هو أقدر على ملك بلقيس، وفي الأثناء وجده أمامه، وشكر الله سبحانه وتعالى على ما أعطاه من هبات عظيمة في المخلوقات التي من حوله، وكان للهدهد دور عظيم في دعوة قوم وتحويلهم من عبادة الشمس إلى عبادة الواحد الأحد ممثلا في قول الله تعالى في سورة النمل {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة النمل: الآية 44].
فلنجعل من هذا المخلوق الوديع مثالا لنا يحتذى به في الدعوة إلى الله في كل حال وكل زمان ومكان، عملا بقول الله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة آل عمران: الآية 104].