فضل قيام الليل
قال الله تعالى: ﴿ ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا﴾ ، وقال سبحانه: ﴿ تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون﴾ ، وقال أيضا: ﴿ كانوا قليلا من الليل ما يهجعون﴾ . وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ وأي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال: "أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم".
عن عبد الله بن سلام قال: كان أول شيء تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام تدخلون الجنة بسلام . قال أبو عيسى هذا حديث صحيح – الترمذي.
وجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزى به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس". وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "ثلاثة يحبهم الله، ويضحك إليهم ويستبشر بهم:
1- الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل، فما أن يقتل أو ينصره الله عز وجل
فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه؟.
2- والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل فيقول: يذر شهوته ويذكرني ولو شاء رقد...
3- والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا فقام من السحر في ضراء وسراء.
لقد أشار القرآن إلى حال هؤلاء الأبرار مع ربهم، الحال التي استحقوا عليها هذا الحب والرضوان فقال: ﴿ يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار. الصابرين والصادقين، والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار﴾ .
في هذا التوجه الخالص ما ينم عن حقيقة قلوبهم وتقواهم وإخلاصهم وتجردهم واستحضارهم للآخرة والإنابة إليها، والتجافي عن دار الغرور والعزوف عنها.
يقول صاحب الظلال: (في كل صفة من صفاتهم تتحقق سمة ذات قيمة في حياة الإنسانية:
ففي الصبر ترفع على الألم والاستعلاء على الشكوى، وثبات على تكاليف الدعوة، وأداء لتكاليف الحق، وتسليم لما يريد بهم من الأمر، وقبول لحكمه ورضاه.
وفي الصدق اعتزاز بالحق الذي هو قوام الوجود، وترفع عن الضعف، فما الكذب إلا ضعف عن كلمة الحق، اتقاء لضرر أو اجتلاب لمنفعة.
وفي القنوت لله أداء لحق الألوهية وواجب العبودية، وتحقيق لكرامة النفس بالقنوت لله الواحد الذي لا قنوت لسواه.
وفي الإنفاق تحرر من استذلال المال، وانفلات من ربقة الشح، وإعلاء لحقيقة الأخوة الإنسانية على شهوة اللذة الشخصية، وتكافل بين الناس يليق بعالم يسكنه الناس.
وفي الاستغفار بالأسحار بعد هذا كله يلقي ظلالا رفافة ندية عميقة، ولفظة الأسحار بذاتها ترسم ظلال هذه الفترة من الليل قبيل الفجر، الفترة التي يصفو فيها الجو ويرق ويسكن، وتترقرق فيها خواطر النفس وخوالجها الحبيبة، فإذا انضمت إليها صورة الاستغفار الفت تلك الظلال المنسابة في عالم النفس وفي ضمير الوجود سواء، وتلاقت روح الإنسانية وروح الكون في الاتجاه لبارئ الكون وبارئ الإنسانية)...
أين نحن من هؤلاء الأبرار؟ وهل لواحد منا العذر عند الله في تخلفه عن هذا الركب؟ وأخذه لهذا الزاد؟ إنه للأسف في مقدورنا وفي إمكاننا فلا نحرم أنفسنا منه