وزارة التربـيـة و التعليم
مـنـطقـة العـين التعليمية
مدرسة توام النموذجية الخاصة
كان القرار مزعوما أن الدراسة ستكون بجامعة ستراسوبرغ بفرنسا،فكنت فقط أنتظر اليوم الذي سأدخلها فيه، كي تظهر الغرائب و العجائب.
كانت الساعة تتراوح بين الثامنة و الثامنة و النصف صباحا عندما وقفت سيارة الاجرة أمام المبنى الكبير المصبوغ باللون البني،ثو توجهت نحو الباب الرئيسي حيث الحديقة الكبيرة،وما إن دخلت حتى رأيت تلك الفخامة،فكانت الجامعة من خمس طوابق وكل طابق مخصص لشيء معين،وفي الوسط نافورة كبيرة،يسمع صوت خرير مائها من جميع أنحاء الجامعة،فتوجهت إلى الاستعلامات التي كانت على يساري و أخذت بطاقتي ثم توجهت إلى قسمي الذي كان في الطابق الثاتي رقم أربعة و عشرون..وجدت الحصة قد بدأت لذا شعرت ببعض الاحراج،لأني آخر شخص يدخل عليهم.
انتهى هذا اليوم على نفس المنوال..لكن كي أتعود على المكان احتجت على الأقل أسبوع..ومع مرور الوقت بدأت ألاحظ أشيائا غريبة مثل غياب عدد كبير من الطلاب في أيام مختلفة من الاسبوع بدون أي أعذار ومنهم طلاب صفي بمادة الفيسيولوجيا ومعظمهم من مادة البيولوجيا، ثم بدأ العدد يقل تدريجيا مع مرور الاسابيع دون معرفة أي خبر عنهم.
في يوم الثلاثاء كالعاد توجهت إلى الجامعة،يمكنني القول أنها خالية تماما، حتى الاساتذة غير موجودين.. فلم أعد أعرف هل اعود إلى المنزل أو أبقى،راودني الفضول أن أعرف سبب هذا الغياب المتسلسل، فتوجهت إلى المصعد وقصدت الطابق الرابع حيث مادة الميكانيك،توقف المصعد فجأة بين الطابق الاول و الثاني وانطفئت أضوائه لثوان معدودة و أكمل صعوده بعد ذلك فتوقف مرة أخرى في الطابق الثالث و فُتحت أبوابه، نزلت منه لأني شعرت بالخوف..أصبحت بين تلك الممرات الخالية ولاحظت اني لم اعد أسمع خرير تلك النافورة ،ربما لأني بمكان بعيد عنها..مشيت أبحث عن السلالم كي أصعد إلى الطابق الرابع فصادفت شابا لم أنتبه يوما أنه بالجامعة . قال لي بصوت حاد:
-" من الافضل أن تعودي إلى المنزل ، لا يوجد أحد هنا"
لم أتردد في سؤاله عن سبب غياب الجميع:
-"لماذا لم يأتي أحد؟ ماذا يحدث؟"
لم يعرني أي اهتمام فردد لي نفس الجملة مكملا سيره:
-" من الأفضل أن تعودي ..لا يوجد أحد بالجامعة"
راودني الخوف بعد ان سمعت كلامه ،و أظن من الأفضل أن أعود إلى المنزل، لكن ماذا عن الجميع؟ ما هذا الشيء الغامض الذي جعلهم يغيبون؟
أسئلة كثيرة تدور في ذهني لا جواب لها..سأعود أدراجي لا فائدة من بقائي هنا،لكن لن أستعمل المصعد،أفضل السلالم..سمعت صراخ وأنا في الطابق الثاني كأن شخصا يطلب المناجاة،وقفت في مكاني مذعورة، وصوبت وجهي نحو مصدر الصوت، الذي كان آت من قسم المختبرات الموجود على يميني.. ترددت في الذهاب إلى هناك، لكن ماذا لو استطعت مساعدة أحدهم؟ بدأت سيري إلى المختبر و أنا ألتفت يمينا ويسارا كأنني أخشى ملاقاة أحد ما،وما إن وصلت،احترت
أي باب سأفتح،فقلت بصوت يملئه الخوف:
-"هل من أحد هنا؟"
لم يجبني أحد ،ربما لأن صوت لم يُسمع، فسألت مرة أخرى بصوت عال:
-"هل من أحد هنا؟"
بدأت أسمع صوت فتاة تبكي بشكل منقطع،لكن لم أستطع أن أحدد مكانها لحد الان..بدأت أقترب شيئا فشيئا وسمعتها تقول:
-"لم يصلني أي بريد إلكتروني،ولم يخبرني أحد ،أتركني أرجوك أعدك أن لا أعود"
توقعت أنها بمفردها،لأني لم أسمع أحد يتحاور معها، طرقت الباب حيث افترضت أنها موجودة،وسمعتها تقول بصوت عال:
-"أنا هنا ،ساعدوني أرجوكم"
إنها في المختبر الأمامي ،ذهبت مسرعتا إليها ووجدتها مبروطة على الكرسي،مكتوفة الايادي و الأرجل،وشعرها مبلل و الدم ينزل من جبينها ،من فعل بها هذا يا ترى؟
لم يكن لدي الوقت الكافي كي أفكر بإجابات أسئلتي.فحاولت فك رباطها و سألتها:
-"ماذا حدث لك؟"
فأجابتني:
-"كان من المفترض أن يصل إلى الجميع رسالة في البريد الاكتروني يهددهم بعدم القدوم إلى الجامعة اليوم، لكني لم أراه، وعلى ما يبدو أنتي أيضا"
-" ومن فعل بك هذا؟"
-"إنك شخص يدعى ..يدعى جايك ،ويبدو أنه هو من أرسل إلى جميع الطلبة ،فتوقع أنني...إنتبهي"
حذرتني بصوت عال و هي مركزة نظرها على شيئ يعلوني،استدرت كي أرى حتى شعرت بضربة قوية على رأسي و لم أعي بعد ذلك بشيء
فتحت أعيني بعد ان استرجعت وعيي ووجدت نفسي مثل تلك الفتاة،مربوطة على الكرسي،لكني أحس بألم شديد على رأسي بسبب تلك الضربة.
فسألت بصوت متكاسل:
-"ماذا حدث لي؟"
فأجابتني:
-"حمدا لله أنك بخير"
استوعبت ما حدث ،وأدركت أن شخصا ما هو من ضربني،وبعد وقت قصير دخل شاب أشقر بأعين زرقاء،أبيض اللون،طويل القامة، بسرواله الاسود و قميصه البني الفاتح، إنه نفس الشاب الذي حذرني بالرجوع إلى المنزل فقال لي وهو يشد شعري إلى الخلف:
-"حذرتك بعدم البقاء للمرة الثانية،لكنك لم تسمعي النصيحة"
-"مهلا، لم تصلني أي رسالة أو بالأصح لم أراها،لأنها فترة الامتحانات فلم أعد أستعمل شبكة الانترنيت و عندما التقيتك بالسلالم ظننتك طالب من الجامعةلم تجد أحد في الأعلى و أردت أن تبلغني لا أن تحذرني"
استمع إلي بكل تركيز ثم حرر شعري وقال للفتاة التي كانت بجانبي:
-"وأنت أيضا أليس كذلك؟"
بدأت تصرخ من جديد و تطلب العودة إلى الديار،كان بإمكانها طلب ذلك بهدوء، لقد أزعجني صوتها لأنها تجلس بالقرب مني..أما ذلك الشاب ضحك مستهزءا ثم قال:
-"فعلا أنا طالب من الجامعة و ابن مديرها أيضا لكن ذلك الغبي دمر حياتي و حياة أمي، لقد دمر مستقبلها"
استنتجت أن هناك خلاف بينه وبين والده،ثم تذكرت أنه لم يعد يأتي إلى الجامعة منذ أسبوع تقريبا. فسألته:
-" والدك..لم يأتي إلى الجامعة منذ أيام"
فأجابني:
-"إنه مغفل ويستحق الموت، ظن أني أمازحه عندما أخبرته أنني سأحطمه..وأكسر قلبه بتدمير هذه الجامعة"
مالذي أسمعه ، لقد قتل والده، لا شك أنه سيقتلنا نحن أيضا.. في تلك اللحظة دخل عدد كبير من قسم الشرطة إلى المختبر الذي كنا فيه و طلبوا منه بعدم الحركة ،نظر إلي نظرة استحقار وحقد،ربما اعتقد انني من بلغت الشرطة ، كيف لي أن أفعل ذلك وأنا مربوطة بهذا الشكل.
أخذته الشرطة إلى الخارج، وقال أحدهم لنا:
-"إنه المريض أليكس جونز من مستشفى كوشين بور رويال" ثم بدأ يفك رباطنا.
لكن على حسب معلوماتي هذه المستشفى مختصة للأمراض العقلية، هذا يعني أنه شخص مجنون. قلت للضابط:
-" لقد قتل والده.. ولولا قدومكم لقتلنا نحن أيضا"
اجباني بهدوء:
-" أليكس شخص مريض عقليا و هرب من المستشفى منذ شهر، أما والده فهو متوفي منذ أن كان صغيرا في حادثة سير مروعة، ومنذ ذلك الحين وهو غير واع بتصرفاته و يتخيل أشيائا غير موجودة"
انصدمت من كلامه،لكن كيف لشخص مجنون أن يكون بهذا الذكاء كي يقتل مدير الجامعة و يرسل الى الجميع تهديدا من البرنامج الذي تتواصل به الجامعة مع جميع الطلبة..فوضح لي الضابط ما استصعبت فهمه:
-"أليكس بالفعل شخص مجنون ويتهيأ أشياء غير موجودة، لكنه ذكي وماهر فقد ساعدنا بطريقة غير مباشرة يمكنك القول أنها صدفة لمعرفة جميع أسرار شركة ألستوم المعروفة بالمواصلات و توليد الطاقة، حينما توفي أحد عامليها"
كيف يمكن لشخص مجنون أن يكون ذكيا..لن اتعب نفسي بالتفكير أكثر ،يكفي تلك الضربة التي تناولتها على رأسي..رافقتني "بان" إلى أن وصلت إلى سيارة الشرطة حيث سيتم نقلي إلى المشفى.