مواطنون يصرخون ''بيعوا بابورات البترول وجيبوا لنا الدواء''
أنفلونزا الخنازير يؤرق الجزائريين والعلاج يدخل السوق السوداء
يعيش المواطنون هذه الأيام على أعصابهم خوفا من إصابتهم بأنفلونزا الخنازير، خاصة بعد تزايد عدد الضحايا التي بلغت 12 وفاة وتسجيل إصابات أخرى في بعض المؤسسات التربوية والمدارس وحتى المستشفيات التي من المفترض أن تحد من العدوى.
''الخبر'' وفي جولة لها بالعاصمة، رصدت تصرفات المواطن ولجوئه إلى الصيدليات لاقتناء ما يمكن أن يكون عازلا أو واقيا من فيروس أنفلونزا الخنازير القاتل، في ظل المضاربة و''التبزنيس'' في صحة المواطن بالعملة الصعبة التي وصلت حسب ما تم تداوله في بعض الأوساط إلى أكثر من 50 أورو أو ما يعادل 80 دولارا للجرعة الواحدة من اللقاح، الشيء الذي دفع بالعديد من الشباب في بعض الأحياء الشعبية بالعاصمة إلى ترديد شعارات '' بيعوا بابورات البترول وجيبوا لنا الدواء''. خاصة مع ما تم تداوله من أخبار حول توجه أبناء الكثير من الأغنياء إلى الخارج من أجل الحصول على التلقيح اللازم.
أولياء يرغمون أطفالهم على مقاطعة الدراسة
كانت وجهتنا الأولى إلى مؤسسة تربوية تقع بحي بولوغين الشعبي، حيث ترددت أنباء عن إصابة عدد من التلاميذ بمدرسة ابتدائية، مما دفع بالعشرات من أولياء التلاميذ بالتجمع بالقرب من المدرسة للإطلاع على الوضعية الصحية لأبنائهم، خاصة مع تداول أنباء عن انتقال وفد طبي من مصلحة مكافحة الأوبئة والأمراض المعدية إلى المدرسة، الشئ الذي زاد من قلق الأولياء ودفع ببعضهم إلى سحب أبنائهم من الأقسام رغم تطمينات الأساتذة والمشرفين على المدرسة أنه تم التكفل بجميع التلاميذ خلال الصبيحة، وأن إصابة التلاميذ الذين لا تتجاوز أعمارهم 12 سنة قد تأكد حملهم للفيروس خارج المؤسسة.
أثناء دخولنا إلى المدرسة المعنية، علمنا أن الإدارة منعت التلاميذ من ارتداء الأقنعة العازلة وحمل قارورات المطهرات الطبية المستعملة في تطهير الأيدي من الميكروبات والجراثيم، في حين سمحت لهم باستعمالها خارج المؤسسة، وهو ما أثار استغراب واستنكار الأولياء، باعتبار أن الأقسام محيط مغلق يساعد على حمل الفيروس ويهدد صحة أبنائهم. وفي هذا الصدد، أوضح ولي تلميذ السيد سيد علي ''كيف لي أن أترك ابني في المدرسة مع خطر الإصابة، في الوقت الذي يمتنع فيه أساتذة من إرسال أبنائهم إلى المدارس؟''.
ويضيف ''أيعقل أن يمنع الطفل من استعمال القناع داخل حجرة للدراسة لا تتجاوز مساحتها 30 مترا، في الوقت الذي يسمح لهم بارتدائها خارج المؤسسة في الهواء؟''.
ويذهب أولياء آخرون إلى أن الكثيرين من أبناء الحي رفضوا من تلقاء أنفسهم التوجه إلى المدارس أو بتوصية من أوليائهم، بل حتى بعض الأساتذة والمعلمين في مؤسسات تعليمية أخرى امتنعوا عن التوجه إلى العمل خوفا من حمل الفيروس وكذا إرسال أبنائهم إلى المؤسسات التربوية.
مستشفيات تعزل حوامل والزيارة معلقة إلى حين
أما بالجهة الشرقية للعاصمة وسط الحراش، فقد تجمّع عدد ممن ينتظر زيارة النساء الحوامل المتواجدات بالمؤسسة الإستشفائية المختصة في التوليد ببلفور، منذ أزيد من أسبوع دون أن يتمكن أحد منهم الدخول إلى المستشفى، حيث منعوا من زيارة ورؤية مرضاهم لفترات متفاوتة وهو ما أكده بعض الحاضرين لأجل الزيارة، حيث قال السيد بد الرحمان الذي أحضر زوجته من بلدية حمادي ببومرداس لتضع مولودها ''منذ أسبوع وأنا أحضر يوميا إلى هنا قصد رؤية زوجتي والاطمئنان عليها، غير أنني في كل مرة أقابل بالمنع دون أي توضيح واكتفاء أعوان الأمن بأنها تعليمات إدارية...أنا لا أعلم حقيقة ما يجري''. ويؤكد إسماعيل الذي قدم من باب الزوار للإطلاع على زوجته ووضعها لمولودها الأول ''لقد اقتصرت الزيارة على استلام المياه المعدنية فقط لتسليمها لنسائنا دون أدنى توضيحات أخرى''.
بدورنا علمنا من مصادر خاصة من المستشفى، أنه تم عزل بعض النساء الحوامل في جناح خاص بالطابق الثاني، في حين تم رفض استقبال أي حالات أخرى للحوامل المقبلات على الولادة وتحويلهن إلى مستشفى القبة.
نصف الراتب لشراء الدواء بالعملة الصعبة في السوق السوداء
في خضم تنقلنا إلى المناطق المذكورة، توفرت معلومات حول بيع اللقاح بالعملة الصعبة عن طريق وسائط، حيث يتراوح سعر الوحدة الواحدة من جرعة اللقاح أكثر من 50 أورو، أو ما يعادل ستة آلاف دينار جزائري ــ نصف دخل العامل الجزائري شهريا ــ ولا يتسنى لأي شخص الحصول على اللقاح إلا بعد دفع عملات بالدينار لوسائط وأفراد آخرين قبل الوصول إلى المصدر الرئيسي.
هذه الوضعية دفعت بمواطنين إلى التساؤل عن مصدر هذه الجرعات، في حين أنها من المفترض أن تكون مجانية، كما يفترض أن الجهات الوصية أو وزارة الصحة هي الجهة الوحيدة التي تحوز عليها في الصيدليات الرئيسية عبر المستشفيات الجامعية، في حين تباع بالعملة الصعبة في أخطر الأوقات الذي يهدد فيه الفيروس القاتل صحة المواطن، كما أن عدم سيطرة الجهات المختصة على الوضع قد يؤدي إلى التجارة الممنوعة عبر السوق السوداء وتسريب أدوية مقلّدة للجرعات الحقيقية وبيعها بأثمان باهظة.