--------------------------------------------------------------------------------
في ثمانينيات القرن الماضي نشرت لجنة اميركية صهيونية تسمي نفسها "لجنة الاردن هو فلسطين" Jordan is Palestine committee اعلانا على حجم صفحة كاملة في صحيفتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست. تضمن الاعلان الذي كان عنوانه : الاردن هو فلسطين، خارطة كبيرة لفلسطين والاردن. وتظهر إسرائيل في الخارطة بحجم صغير مع معلومات بالارقام بان إسرائيل لا تشكل سوى 22 في المئة من مساحة فلسطين الاصلية او فلسطين التي كانت مشمولة بصك الانتداب الاصلي قبل ان يتمكن عبدالله الاول من انتزاع شرقي الاردن من براثن الانتداب ويحميه من مؤامرة الوطن القومي اليهودي.
ومن المعلومات الاخرى وبالارقام يقول الاعلان ان إسرائيل استطاعت في الاعوام الاولى من انشائها توطين مئات الالوف من اليهود القادمين من مختلف انحاء العالم وخاصة من البلاد العربية، بينما الدول العربية مجتمعة لم تستطع ان تقوم بتوطين سبعمئة وخمسين الف لاجىء فلسطيني في اراضيها التي تبلغ مساحتها ملايين الكيلومترات المربعة.
يقول الاعلان ايضا ان اكثر من ستين في المئة من سكان المملكة الاردنية الهاشمية هم فلسطينيون وهم يتولون مناصب ويعملون في الحكومة والجيش ويحملون جواز سفر اردنيا ويتمتعون بحقوق الملكية والانتخاب والتصويت. ويخلص الاعلان إلى ان الفلسطينيين ان كانوا يبحثون عن اقامة دولة فانها موجودة بالفعل في الاردن ولا داعي لان يطالبوا باقامة دولة غربي نهر الاردن لان إسرائيل تخلت بالفعل عن ذلك الجزء الشرقي من فلسطين التاريخية شرقي النهر فليقم الفلسطينيون دولتهم هناك.
ابان حكم الليكود في إسرائيل اصبحت فكرة ترحيل الفلسطينيين شرقا اكثر قبولا عند فريق من النخبة الاسرائيلية. وقاد هذه الفكرة الجنرال احتياط يوئيل بن بورات الذي وضع الاطار الفكري لهذه النظرية وقدمها لرئيس الوزراء انذاك اسحق شامير.
كما ان كثيرا من النخب الاميركية السياسية باتت تقبل فكرة ان الاردن هو فلسطين وفق المفهوم الاسرائيلي. وهنا تكمن الخطورة. فاسرائل ان قالت بالفكرة فهذا مفهوم وان كانت غير قادرة على التنفيذ؛ لكن الولايات المتحدة ان اقتنعت بها وجعلتها احدى اهدافها فهنا تكمن المصيبة.
يرى بن بورات ان تجسيد نظرية الاردن هو فلسطين ليس صعبا ويمكن ان يتم من خلال الخطوات التالية:
1. الاقتناع بان أرض إسرائيل الواقعة شرقي نهر الاردن هي الدولة الفلسطينية
2. في المرحلة الاولى تقام الدولة الفلسطينية في شرقي نهر الاردن وهذه الدولة تتمتع بكل اشكال السيادة.
3. في المرحلة الثالثة بعد انشاء الدولة الفلسطينية في شرقي الاردن فان تلك المناطق من دولة إسرائيل في الضفة الغربية الواقعة تحت السيطرة الاسرائيلية وكذلك المناطق العربية داخل الخط الاخضر تصبح جزء من الدولة الفلسطينية.
4. لن تعطى هذه المناطق إلى الدولة الفلسطينية الا بعد اقامة سلام دائم وعلاقات كاملة.
يستخدم اصحاب نظرية الاردن هو فلسطين احداثا واحاديث في مناسبات تاريخية قديمة لمحاولة اقناع الاخرين وخاصة الساذجين من الناس بحسن نواياهم. من يفتش في الانترنت عن هذا الموضوع وخاصة باللغة الانجليزية قد يجد اطروحات عديدة ومرافعات لحسابها يقوم بها المؤيدون للفكرة سواء من الصهيونيين او من يناصرهم ومن الضروري جدا لانتباه لمخاطر السم المدسوس في تلك الاطروحات والمرافعات.
في هذا السياق لا بد من الانتباه إلى ان فكرة الاردن هو فلسطين في المطلق تختلف عن فكرة ان الاردن هو الدولة الفلسطينية المستقبلية. فالاولى فكرة تحدث بها كثيرون ايام كان من الضروري دعم تثيبت الوحدة الاردنية الفلسطينية بين ضفتي النهر في مواجهة دعاة الانفصال ودعاة التخريب في الخمسينات والستينيات وحتى السبعينيات. الغريب ان اصحاب نظرية الوطن البديل يستخدمون الان تلك الاحاديث للقول ان مسؤولين اردنيين كبارا قالوا بهذه النظرية. ويستشهدون باقوال للمرحوم هزاع المجالي الذي قال يوما "نحن جيش فلسطين... الاغلبية الساحقة من العرب الفلسطينيين هنا في الاردن". وهناك ايضا حديث لزيد الرفاعي عام 1975 في مؤتمر صحفي عندما قال "ان الاردن هو فلسطين فلم يحكما ابدا كدولتين. قبل عام 1918 كانت ضفتا نهرالاردن دولة واحدة". حتى الملك حسين رحمه الله قال مرة عام 1981 "الاردن هو فلسطين وفلسطين هي الاردن". لكن هذا الكلام يجب ان لا يخرج من سياقه ويفسر وكان هؤلاء المسؤولين الاردنيين كانوا يروجون لاقامة دولة فلسطينية في الاردن. فالشعب الاردني اصلا يرفض الفكرة وكذلك الفلسطينيون سواء كانوا في الاردن او في فلسطين او في اي مكان يرفضون الفكرة ايضا. والجميع مستعد للدفاع عن الاردن وعن فلسطين كذلك. الملك حسين قال مرة: نحن جميعا اردنيون للدفاع عن الاردن وجميعنا فلسطينيون للدفاع عن فلسطين.
للدفاع عن الاردن او الدفاع عن فلسطين لا بد من الابتعاد عن الهيجان العاطفي. فالفلسطينيون في الاردن لا يسعون إلى التخلي عن وطنهم ويقيموا دولة ونظاما في الاردن. والاردنيون لا يمكن ان يكونوا من السذاجة بحيث يصدقوا الترويجات الاسرائيلية لهذه الفكرة. فكلا الشعبين يقظ ومتنبه لهذه المخططات التي لا يمكن ان تمر على احد. لماذا؟ لان الشعبين يعرفان ان القضية الفلسطينية في الاساس ليست قضية اقامة وطن يحكمه الفلسطينيون. وليست قضية بحث عن مكان يقام فيه وطن قومي للفلسطينيين. فالفلسطينيون يعرفون اين هو وطنهم ويعرفون ماذا يريدون في ذلك الوطن ومنه.
ما يشاع هذه الايام عن ترويج فكرة الوطن البديل يجب ان لا يدفع احدا للتفكير الاعوج او المريض بحيث يقع الانسان الفلسطيني او الاردني في الاردن ضحية ترويج أفكار مريضة عصية على التطبيق ومستحيلة في وطن حر يتطلع إلى المستقبل.
ضرب فكرة الوطن البديل وتحطيمها على صخرة الوحدة الوطنية لا يكون الا بابراز الهوية الوطنية الفلسطينية وكذلك الهوية الوطنية الاردنية بدون مزج ساذح بينهما ولاتفريق قسري لهما. فالاردني اردني والفلسطيني فلسطيني. وعندما يكون الحديث عن الفلسطينيين في الاردن فالافضل ان يشار لهم بانهم اردنيون من اصل فلسطيني إلى حين حل القضية الفلسطينية الحل العادل والشامل الذي ترضى عنه الاجيال ويعيد الحقوق إلى اصحابها. وعند ذلك الحين يختار الاردنيون من اصل فلسطيني ماذا يريدون.
"الاردنية" اصلا فكرة قبل ان تكون جغرافيا. فالاردن موئل احرار العرب وفيه انصهرت الافكار القومية التي بشرت بها الثورة العربية الكبرى وكانت المملكة الاردنية الهاشمية هي الراية التي تعبر عن فكرة القومية وكل من انضوى تحت ظلالها فهو أردني بغض النظر عن اصله ومنبته. والانتماء إلى الاردن وفكرة "الاردنية" ليست مجرد جواز سفر وملكية بيت ووظيفة وتقاعد. انها انتماء وعمل واجتهاد.
وعندما يقال ان الاردن هوالاردن وفلسطين هي فلسطين فليس ذلك بقصد التفريق بين الناس واثارة النعرات والعصبيات الاقليمية. بل لانه بالفعل الاردن ليس فلسطين. والدولة الفلسطينية المستقلة سوف تقام على الارض الفلسطينية بعد جلاء الاحتلال حيث سيثمر النضال الفلسطيني.
وبعيدا عن اي تشنج او تعصب مهما كان نوعه فان رفض فكرة الوطن البديل ليست مسالة خواطر وليست مجاملة لاحد. انها رفض حقيقي ينبع من ايمان الفلسطيني بوطنه وكذلك ايمان الاردني بحق الفلسطيني في ارضه الفلسطينية. المشكلة في الاساس ليست مشكلة ايجاد وطن للفلسطيين يعيشون فيه، كما تروج إسرائيل، فكل بلاد العرب اوطان للفلسطينيين. المشكلة الحقيقية التي يهرب منها اصحاب نظرية الوطن البديل هي مشكلة وطن الفلسطينيين. فالقضية باختصار هي قضية وطن الفلسطينيين الذي تحتله اسرائيل وليست قضية وطن للفلسطينيين يحلون بواسطته أزمات إسرائيل ومشاكلها.