زنبقتي __ ثامر عبد الغني سباعنة
وحيدٌ في زنزانته المظلمة التي لا تربطه مع الدنيا فيها إلا فتحة صغيرة في أعلى جدار الزنزانة يدخل منها قليل من الشمس يوميا وقليلا من الهواء، تملؤه الأحزان والذكريات والأحلام.
لا يخرج من عزله في الزنزانة إلا قليلا، فقد كُتب عليه أن يقضي مدة حكمه الطويلة في هذه الزنزانة.
كم كان يحمل في قلبه الشوق للحديث مع الأهل والأصدقاء والأحبة، فهو محروم منهم بل محروم من الحديث مع أي إنسان غير سجانه.
في ذلك اليوم تغيرت حياته وأصبح لها معنى جميل، فقد استيقظ صباحا ليجد زنبقة صغيره قد بدأت تنمو في أرضية زنزانته...
تحدت الصخور والظلام واليأس وخرجت تنثر معنىً آخر للحياة في ظل رائحة الموت المنتشرة في الزنزانة..
كم فرح وسعد بها، بل إنه عشقها لأنها ملكت كل حياته وروحه وأنارت له ظلمة زنزانته..
كم غيرت من نمط حياته وكم أعادت لنفسه تألقها وسموها.
اعتنى بها كطفل صغير حديث الولادة، يسقيها يوميا وجمع كل ما أمكنه من تراب وغبار من أرض زنزانته ووضعه قرب جذورها علها تقوى وتكب، في كل يوم كان يضعها بلطف بين راحتيه ويرفعها بحنان ليقربها من الفتحة الصغيرة المسماة شباك ويجعلها تستنشق هواء الحرية وتنعم بضوء الشمس.
أصبح يراقبها ساعة بعد ساعة بل ثانية بثانية، يكلمها، يهمس لها بآلامه ويشاركها أحلامه، عشقها وخففت عنه الكثير من همومه وكانت له معينا في قيده.
بعد أيام كانت أجمل الأيام له في هذه الزنزانة دخل الجنود عليه في جولة لتفتيش زنزانته، وشاهدوه يرعى زنبقته، حاولوا أن يصادروها منه فممنوع أن يؤنس وحدته أحد!! حتى وإن كان زنبقة..
رفض ذلك ومنعهم من الاقتراب من زهرته، هددوه لكنه لم يستجيب لهم بل زاد تعلقه بالزنبقة وتمسك بها بقوة أكبر.
تركوه وقالوا إنهم سيقطعوا عنه الماء لتموت زنبقته عطشا، وفعلا قطعوا عنه الماء.
بعد أيام قدموا إلى زنزانته وعيونهم تملؤها ضحكة خبيثة، فهم الآن سيجدونه يتحسر على زهرته التي ماتت عطشا.
لكن كانت المفاجأة.......