يوم التحم الدم الأردني والفلسطيني وهزم الغزاة
الملك حسين فوق دبابة إسرائيلية احتفل الأردنيون والفلسطينيون بالذكرى الثانية والأربعين لمعركة الكرامة الخالدة ، ففي 21 مارس/ آذار 1968 استبشرت الأمة من بحرها إلى خليجها بانتهاء عصر الهزائم مع العدو الصهيوني في صبيحة ذاك اليوم انطلقت الزغاريد وانتفضت الجماهير والأمهات من لحظات اليأس القاتلة إلى مد تعلو فيه أصوات الثأر لهزيمة عربية ، هزيمة جيوش في حرب الأيام الستة كما سماها العدو الصهيوني.
معركة الكرامة بانتصاراتها التي أدهشت العدو قبل الصديق والتي سطر فيها الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية بطولات عربية فأذاقوا العدو طعم الهزيمة المر، ليسجل التاريخ ما اعتبر أول نصر عربي على الجيش الإحتلال الإسرائيلي.
الأردن يحي "الكرامة"حيث رعى العاهل الأردني عبد الله الثاني في موقع الصرح التذكاري لشهداء معركة الكرامة الإحتفال الذي أقامته القوات المسلحة الأردنية بالمناسبة .
ووضع الملك بهذه المناسبة إكليلا من الزهور على الصرح التذكاري لشهداء معركة الكرامة، وقرأ الملك والحضور الفاتحة على ارواح الشهداء في حين عزف الصداحون لحن الرجوع الاخير.
واستعرض الملك اسماء الشهداء واعلام التشكيلات والوحدات التي شاركت في معركة الكرامة الخالدة وبعد ذلك توجه القائد الاعلى الى المعرض الذي اقامته مديرية التوجيه المعنوي وشاهد الملك والحضور فيلما وثائقيا يتحدث عن معركة الكرامة وبطولات وتضحيات بواسل الجيش العربي في المعركة.
المعركة.
معركة الكرامة
ياسر عرفات يتفقد المقاتلين الفلسطينيين بعد المعركة وحقق الجيش الأردني بالتعاون مع وحدات الفدائيين الفلسطينيين يوم 21 مارس/ آذار 1968 أول انتصار عربي على إسرائيل، بعد تسعة أشهر فقط من هزيمة الجيوش العربية في يونيو/ حزيران 1967 وخسارة الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان.
وقعت معركة الكرامة في ، حين حاولت قوات الجيش الإسرائيلي احتلال الضفة الشرقية من نهر الأردن لأسباب تعتبرها إسرائيل إستراتيجية، وقد عبرت النهر فعلاً من عدة محاور مع عمليات تجسير وتحت غطاء جوي كثيف، فتصدت لها قوات الجيش الأردني ووحدات من المقاتلين الفلسطينيين على طول جبهة القتال من أقصى شمال الأردن إلى جنوب البحر الميت بقوة.
وفي قرية الكرامة التحمت الجيش العربي بمساعدة الفدائيين وسكان تلك المنطقة، في قتال شرس بالسلاح الأبيض مع الجيش الإسرائيلي في في عملية استمرت قرابة الخمسين دقيقة.
واستمرت المعركة أكثر من 16ساعة، مما اضطر الإسرائيليين إلى الانسحاب الكامل من أرض المعركة تاركين وراءهم ولأول مرة خسائرهم وقتلاهم دون أن يتمكنوا من سحبها معهم.
وتمكن الجيش الأردني في هذه المعركة من تحقيق النصر والحيلولة من تحقيق إسرائيل لأهدافها.
تاريخ المنطقة نصب الجندي الأردني تخليدا لذكرى الكرامة
وجرت أحداث معركة الكرامة في منطقة غور الأردن على الضفة الشرقية من النهر المقدس فقد امتدت ساحة المعركة من أقصى شمال الأردن إلى جنوب البحر الميت.
وتاريخ المنطقة من تاريخ الأردن ضارب في القدم فقد مرت عليها ممالك كثيرة كالأدومية والمؤابية والعمونية والآرامية والأشورية ومملكة الأنباط واليونانية والفارسية والرومانية والبيزنطية حتى جاء الفتح الإسلامي فعلى أرضها الكثير من مقامات الصحابة منهم أبو عبيدة عامر بن الجراح وضرار بن الأزور وشرحبيل بن حسنة ومعاذ بن جبل وغيرهم.
وقد جاء في القران الكريم ((غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الأَرْضِ)) والمقصود انتصار الفرس على الروم في هذه المنطقة التي تعد أدنى بقعة على سطح الأرض، والغور عبارة عن منطقة زراعية اشتهرت ببساتينها الكبيرة وخضرتها الدائمة وكانت تسمى بمنطقة الآبار وذلك لكثرة الآبار الارتوازية فيها، وتسمى أيضا بغور الكبد باعتبارها جزءا من منطقة زراعية واسعة وتعتبر هذه المنطقة سلة الغذاء الأردني ويعتمد 95% من سكان المنطقة على الزراعة، وكان للملك عبد الله الأول قصر صغير في تلك المنطقة يجتمع فيه مع رجالات المنطقة لبحث أوضاعهم، وبعد نكبة 1948 استقبل الأردنيون اللاجئين الفلسطينيين للأردن حيث استقر عدد منهم في البداية في هذه المنطقة.
بداية التوترقبيل احتلال إسرائيل لضفة غربية من نهر الأردن والتي كانت خاضعة لإدارة المملكة الأردنية الهاشمية بعد حرب 1948 التي حافظ فيها الجيش العربي الأردني على كامل الضفة الغربية بما فيها القدس الشريف، وما ترتب عليها بعد ذلك من مؤتمرات على غرار مؤتمر أريحا الذي طالبت بموجبه زعامات فلسطينية بوحدة الضفة الغربية مع المملكة الأردنية الهاشمية، التزم الأردن باحتضان المقاومة التي نتجت بعد حرب يونيو /حزيران.
ونتج عن هذا الاحتلال الإسرائيلي تحرير هذه المقاومة في الضفة الشرقية إلا أن الهجمات المنظمة للفدائيين تنسيق أدي إلى صدامات عسكرية متكررة بين الجيش الأردني والإسرائيلي على طول نهر الأردن، فقد وقع ما يزيد عن أربعة وأربعين اشتباكاً بالمدفعية والقصف الجوي والدبابات والأسلحة المختلفة منذ 5 حزيران 1967 حتى معركة الكرامة.
وفي مطلع سنة 1968 صدرت عدة تصريحات رسمية عن إسرائيل تعلن أنه إذا استمرت نشاطات الفدائيين عبر النهر فإنها ستقرر إجراء عمل مضاد مناسب، وبناءا عليه زاد نشاط الدوريات الإسرائيلية في الفترة ما بين 15-18 مارس 1968 بين جسر الملك حسين وجسر داميا وازدادت أيضا الطلعات الجوية الإسرائيلية فوق وادي الأردن.
أهداف المعركة
نصب الجندي الأردني تخليدا لذكرى معركة الكرامة تمهيدا للهجوم الواسع، قامت إسرائيل بهجمات عديدة ومركزة استخدمت بشكل رئيسي القصف الجوي والمدفعي على طول الجبهة الأردنية طوال أسابيع عديدة سبقت بداية المعركة في 5:25 من فجر يوم الأحد في 21 مارس/آذار 1968.
كما مهدت لذلك بإجراءات واسعة النطاق في المجالات النفسية والسياسية والعسكرية عمدت بواسطتها إلى تهييء المنطقة لتطورات جديدة يتوقعونها كنتائج لعملياته العسكرية شرقي نهر الأردن.
ورغم أن إسرائيل أعلنت أنها قامت بالهجوم لتدمير قوة المقاومة الفلسطينية، إلا أن الهدف لم يكن كذلك كما تبين من الوثائق التي حصلت عليها المخابرات الأردنية، فقبل أيام من معركة الكرامة حشدت إسرائيل قواتها لاحتلال مرتفعات البلقاء والاقتراب من العاصمة عمّان وضم أجزاء جديدة من الأردن وتحويلها إلى جولان أخرى لتحقيق الأهداف التي تتلخص فيما يلي:
1. نصب الجندي الأردني تخليدا لذكرى معركة الكرامةنصب الجندي الأردني تخليدا لذكرى معركة الكرامة. التخلص من الهجمات المستمرة التي كان يقوم بها الفلسطينيون بما يشبه حرب استنزاف على تلك الحدود الطويلة والصعبة التغطية.
2. إرغام الأردن على قبول التسوية والسلام الذي تفرضه إسرائيل وبالشروط التي تراها وكما تفرضها من مركز القوة.
3. محاولة وضع ولو موطئ قدم على أرض شرقي نهر الأردن باحتلال مرتفعات السلط وتحويلها إلى حزام أمنى لإسرائيل تماما كما حدث بعد ذلك في جنوب لبنان. بقصد المساومة عليه لتحقيق أهدافها وتوسيع حدودها.
4. ضمان الأمن والهدوء على خط وقف إطلاق النار مع الأردن.
5. تحطيم القيادة الأردنية وتوجيه ضربات قوية ومؤثرة إلى القوات الأردنية.
6. زعزعة الروح المعنوية والصمود عند السكان المدنيين وإرغامهم على النزوح من أراضيهم ليشكلوا أعباء جديدة وحرمان المقاومة من وجود قواعد لها بين السكان وبالتالي المحافظة على الروح المعنوية للجيش الإسرائيلي بعد المكاسب التي حققها على الجبهات العربية في يونيو/ حزيران 1967م.
نتائج المعركةانتهت المعركة وفشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أي من الأهداف التي قام بهذه العملية العسكرية من أجلها وعلى جميع المقتربات وأثبت العسكري الأردني قدرته على تجاوز الأزمات السياسية، وقدرته على الثبات وإبقاء روح قتالية عالية وتصميم وإرادة على تحقيق النصر.
وقد أثبتت الوثائق التي تركها القادة الإسرائيليين في ساحة القتال أن هذه العملية تهدف إلى احتلال المرتفعات الشرقية لوادي الأردن وأنه تمت دعوة الصحفيين لتناول طعام الغداء فيها .
اسباب الانتصارالإعداد المعنوي: فقد جسدت هذه المعركة أهمية الإعداد المعنوي للجيش، فمعنويات الجيش العربي كانت في أوجها، خصوصاً وأن جميع أفراده كانوا تواقين لمسح سمة الهزيمة في حرب 1967 التي لم تسنح لكثيرين منهم فرصة القتال فيها.
الاستخبارات العسكرية: أبرزت المعركة حسن التخطيط والتحضير والتنفيذ الجيد لدى الجيش العربي، مثلما أبرزت أهمية الاستخبارات إذ لم ينجح الإسرائيليون تحقيق عنصر المفاجأة، نظراً لقوة الاستخبارات العسكرية الأردنية والتي كانت تراقب الموقف عن كثب وتبعث بالتقارير لذوي الاختصاص أولا بأول حيث توقعوا الاعتداء الإسرائيلي وحجمه مما أعطى فرصة للاستعدد الصحيح.
الغطاء الجوي: برزت أهمية الاستخدام الصحيح للأرض حيث أجاد جنود الجيش العربي الأردني الاستخدام الجيد لطبيعة المنطقة وحسب السلاح الذي يجب أن يستخدم وإمكانية التحصين والتستر الجيدين، بعكس الجيش الإسرائيلي الذي هاجم بشكل كثيف دون معرفة بطبيعة المنطقة معتمدا على غطائه الجوي.
كما أن التخطيط السليم والتنسيق التام بين جميع وحدات الجيش وأسلحته المختلفة والالتحام المباشر عطلا تماما ميزة الغطاء الجوي الإسرائيلي.
خسائر الطرفينخسائر القوات الإسرائيلية : قتل من الأسرائليين 250 جنديا وجرح 450 في اقل من 15 ساعة، تدمير 88 آلية وهي عبارة عن 27 دبابة و 18 ناقلة و 24 سيارة مسلحة و 19 سيارة شحن وسقوط طائرة .
وقد عرض الأردن معظم هذه الخسائر الإسرائيلية أمام الملأ في الساحة الهاشمية.
خسائر القوات المسلحة الأردنية : عدد الشهداء 87 جندياً،عدد الجرحى 108 جريحاً، تدمير 13 دبابة، تدمير 39 آلية مختلفة .