كانوا خمسة: وائل الرعدي، محمد البعداني، فؤاد عبد الواحد، مالك عبد الجليل، أحمد شوقي، دقائق ويدق جرس انتهاء الاستراحة وبعدها سيأتي المشرفون أو الطلبة لطردهم من الفصل الذي كان واقعاً في مبنى طُلاب ثاني ثانوي.
كان فؤاد واقفاً على إحدى "الطاولات".. وبينما كان الجميع يغرق في الضحك بسبب نكتة مميزة حكاها محمد، مدَّ محمد يده لـ "يتكِّس" لفؤاد، مدَّ فؤاد يدهُ بليونة فطرق محمد راحة فؤاد براحته وأسقطهُ أرضاً من على الطاولة متلوياً من الألم الذي أدى لكسر يده.. ولينطلق الجميع بعدها في إسعاف فؤاد في مستشفى الجمهوري القريب من "ثانوية تعز الكبرى"..!
لا أدري ما هي مهنة وائل الرعدي الآن، بينما يظهر محمد البعداني رغم موهبته العظيمة في المسرح بأدوار قريبة للكومبارس في "كيني ميني"، أما فؤاد عبد الواحد فسيصبح اليوم – بإذن الله – نجم الخليج، بينما يعمل مالك عبد الجليل طالبِاً "مناضلاً" في كلية الحقوق، يعمل أحمد شوقي في كتابة هذا المقال..
سيشاهد اليوم عبد الجليل جازم الشوافي قناة دبي، وسيشعرُ بالفخر والاعتزاز حين يشاهِد تلميذه الذي كان طالباً في ثانوية تعز الكُبرى أثناء إدارته لها وهو يؤدي وصلته الغنائية بحضورٍ آسِر وسط إعجاب مُغاير وغير عادي من الجميع؛ لجنة تحكيم، جمهور، ومشاهدين.. وسيعتزّ أيضاً – كاعتزازي وشعوري بالفخر وأنا أكتب هذا المقال عن فؤاد – لأنهُ كان يوماً صاحب فكرة "تشجيع الموهوبين" بدرجة أساس حتى على حساب التحصيل العلمي أحياناً..!
لقد آمَن جازم بالموهبة والتفوق العلمي على ما سواهما، ولهذا خصص كل فرصة ممكنة لاستثمار الموهوبين وإعطاؤهم مساحة للتحرُّك، حظي الموهوبين في عهده بدرجات تُضاف إلى "محصلاتهم" تحت بند "نشاط" ليستعينوا بها في اجتياز المراحل الدراسية المُختلفة، فساهم عبد الجليل جازم بكثير من الكفاءات والمواهب الثقافية والفنية والفكرية وكانت ثانوية تعز الكُبرى إحدى أول ثلاث مدارس في المواهب الأدبية والمسرحية والغنائية على مستوى الجمهورية هذا عدا عن عدم خلو المدرسة سنوياً من ممثلين لها ضمن قائمة العشرة الأوائل في الثانوية العامة.
أما فؤاد، فبرغم موهبته المُبكرة وإحساس الجميع بها في مدرستنا ذات الكثافة الطلابية الضخمة، إلا أنَّ أحداً لم يتوقع لهُ كل هذا الحضور الخلاب، وربما عاد هذا لتواضعه البديع ولكلمة "أنا فدالك" التي ما انفك يوجهها لكل من يحييه، هذا عدا "مُجاملاته" الرائعة التي أعطتني فُرصة لاستغلالها في إثبات نسب الصداقة بيننا، حيثُ أتحدث بمناسبة وبدون مناسبة عن فؤاد الذي ناداني يوماً بـ "معالي الوزير"، أو بأنه اتصل أكثر مرَّة للاطمئنان عليّ بعد فوزه بالمركز الأول في مسابقة "لنغنِ إلى بكين"، أو مجاملاتنا لبعضنا في لقاءٍ ضمنا بعرس أحد الأصدقاء..
بودي أن أحيي فؤاداً اليوم، وأقولُ لهُ: يا صديقي العزيز.. أنت الوزير، وأنت السفير، وأنت الأمير.. لقد شرفتَ أمتنا بأكملها، شرَّفتَ هويتنا وفننا، شرفتَ سلوكنا وطباعنا النبيلة، سأمتدحُكَ يا صديقي رُغم طبعي الناشف الذي يعتبرُ المديح في الصحُف ضرباً من الابتذال، وبتلقائية سأقولُ لك: جعلتنا نركُضُ وراك، ونحاول الاقتداء بِك، والإخلاص لما بأيدينا، فلربَّما استطعنا قولَ مواهِبنا كما ينبغي؛ كما قلتَ موهبتك أنت.
أثقُ من فوز فؤاد باللقب، ولستُ ممتناً لكرت الشحن "أبو ألف"، لأنني أعرف أن الخِدمة الذي سيقدِّمُها شوقي هائل لكل يمني عبر دعم التصويت لفؤاد عبد الواحد ضخمَة جِداً، فيتعددُ امتناني لشوقي هائل مرات ومرات، ممتنٌ لهُ كيمني مرة، وكتعزيَّ مرة، وكمتسبب بإزعاجه أكثر من مرة، وكمُحِب لفؤاد عبد الواحد الذي أتمنى من كل قلبي فوزه باللقب وأثق من مساعدة شوقي هائل لنا في حُلمنا هذا مرة أخرى..
وسنظلُ نمتنّ؛ لشوقي، لعبد الجليل جازم، لفؤاد، ولكل جميلٍ يهبُنا المواساة والصبر على وعثاء هذا البلد الطيب.
* * *
وبالقلم الفسفوري أذكرُ هنا بموهوبٍ آخر، بارعٌ في مجالِه (المسرح) كما كان فؤادُ بارِعاً في مجاله (الغناء)، إنهُ الرائع محمد البعداني، الكوميديان الموهوب والشاب الخفيف الذي طُحِن لسنواتٍ ماضية في أدوارٍ فاترة وصغيرة للغاية في مسلسل محلي "ملخبط"..