تتداخل خطوط حياتنا مع قلوب تعلن استعدادها لأن تمنحنا مشاعرها ودفئها مقابل بعض المشاعر وبعض الوقت. يحق لنا الرفض أو الاستجابة، فليس في شرع الأحاسيس أن نحب كل من أحبونا وان نصادق كل من رغبوا في صداقتنا. ويحق لنا أن نحاول فهم رغباتهم الملحة والمتتبعة يحق بل يجب أن نقيّمها ونختبرها وان نحتفظ بنتائجنا لأنفسنا ونقرر بصورة فردية ما نراه مناسبًا لنا.
فالإنسان غير مسئول عن عاطفة أحد تجاهه، طالما لم يحاول في لحظة ما أن يستأثر بهذا الإحساس. فهناك من يحاول التحايل على مشاعر الآخرين ويعد بعقله الواعي المواقف والأحداث التي من شأنها أن تلقي جمرة المشاعر في قلوب بعضهم، يتحملون مسؤولية مشاعر الآخرين تجاههم طالما ساهموا بقدر ما في تطويرها. ثم هناك فئة تفعل ذلك دون وعي، حيث تأتي طبيعة شخصياتهم بالنتيجة نفسها, لكنهم لا يفطنون لدورهم، وعلى هؤلاء تقع المسؤولية أيضًا، لكن بقدرٍ أقل.
أما من لا يساهمون بوعيهم أو بدونه في نمو المشاعر لدى الآخرين، فهؤلاء لا يتحملون تبعاتها، والأحرى بالإنسان ألا يكون مسئولا عن مشاعر تثيرها الحاجة. ومشاعر الاحتياج ربما نراها كثيرا في تعاملنا مع الآخرين بشكلٍ يومي، والأصل في مشاعر الاحتياج الافتقاد للشعور لا للأشخاص. فالمرء حينما يظمأ لا يبحث عن كوب ماء مثلج، أو عن نوع خاص من العصائر، بل لا يهتم كثيرًا حينما يشتد عليه الظمأ، بنقاء الماء الذي يشربه أو نظافة الإناء الذي يشرب منه، فهو يبحث عن شعور الارتواء ولا يهم بعد ذلك أي شيءٍ آخر، أما إذا تبدّل الأمر، وأتى المرء الشراب فلا يشكو إلحاح الظمأ، عندها يدقق في عدة أمور قبل أن يهم بالشرب، وهذا ما يحدث تمامًا في حال المشاعر.
فالمرء الذي يفتقد مشاعر الصداقة، إذا ما انضم الى مجتمع جديد يمنح صداقته لأول من يصادفه، حتى إذا تعرّف الى آخرين قد ينسى الصديق الأول. ولعل الكثير منا قد مر بهذه التجربة أو تابع بعض المشاهدات المثيلة، ففي بداية الانتظام في الدراسة الجامعية مثلاً نلاحظ ظمأ الشباب للتعرف الى الفتيات والعكس، باستثناء البعض ممن تعوّد الأمر وممن لا يضعون الأمر نصب أعينهم. هذا الظمأ يدفع المحتاجين الى الصداقة للحديث والتعرف الى أي زميل أو زميلة بلا تفرقة أو محاولة للاختيار، تحت وطأة الاحتياج لا أكثر وحينما تخفُت حدة الاحتياج، تبدأ المشاعر الحقيقة في الظهور.
وفي علاقات الحب مثلا
يجد الشاب الفتاة فيمنحها مشاعره وكلماته في الحب في مقابل اهتمامها بمن يشبع إحساسها بأنوثتها لتمنحه مشاعرها، يتحابان وربما ينتهي الأمر بالزواج، ورغم ذلك يبقى الحب منقوصاً للبداية المشوهة.. مع التأكيد على أن إتمام الزواج بين المتحابين ليس دليلاً على صدق المشاعر وليس معياراً لنجاح الحب أو فشله.
وهناك قصص الحب التي تبدأ لتجربة مشاعر الحب، فيكون الدافع منها، هو الرغبة في التجربة، وهي درجة من الاحتياج، والاحتياج ليس معناه الحب الذي ينشأ عن الرغبة في شخص بعينه والقدرة على معايشة الأحاسيس مع آخرين، وربما تكون المشاعر في كلا الحالتين حقيقية، لكن يبدو الحب الناشئ عن الاحتياج للمشاعر بلا قيمة أما الحب الناشئ عن الاحتياج لشخص بعينه.
وهذا لا يعني أنّ الحب الذي يولده الاحتياج حب فاشل أو غير حقيقي أو غير صادق، إنما هي محاولة للبحث عن حقيقة المشاعر، بين ما هو صادق وما هو أصدق، وما هو بريء وما هو لحاجةٍ ما.