المقدمة :
تمتلك النفس الانسانية نوعين من الغرائز مادية ومعنوية، فالاولى تشمل: الغريزة التي تدفع الانسان نحو تناول الطعام وشرب الماء والهروب من الاخطار وممارسة الجنس وماشابهها، ويشترك كل من الانسان والحيوان في هذا النوع من الغرائز.
اما النوع الثاني فيشمل الغرائز المعنوية التي تدفع بالانسان نحو طلب العلم، وحب الخير، والتضحية في سبيل الآخرين، والى كل النشاطات التي تميزه عن الحيوان، ومن خلال تنمية هذه الغرائز نحصل على سعادتنا في الدنيا والآخرة وهو ما عبّر عنه الرسول(ص) بالجهاد الاكبر الذي هو جهاد النفس.
ومن الاسباب التي دعتنا الى اعداد هذه المقالات افتقار المكتبة العربية للكتب التي تتناول المواضيع التربوية من وجهة نظر اسلامية، وقد راعينا فيها اسلوباً مبسطاً ينسجم مع اذواق الامهات اللائي يرغبن في تنشئة اطفالهن النشاة الاسلامية الصحيحة ، ونساله تعالى ان يوفقنا لسد جزء من هذا الفراغ في المكتبة العربية ، ومنه نستمد العون والسداد .
تربية الطفل في الاسلام
ان تربية الطفل تعني في المنظور الاسلامي إنماء الغرائز المعنوية والإهتمام باعتدال الغرائز المادية ... فسعادة الطفل تتحقّق في التعامل الصحيح مع نفسه وليس مع جسده، بثوب جميل يرتديه أو حلي يتزيّن بها أو مظهر جذّاب يحصل عليه ... ويتخلص الطفل من الالم حين يمتلك الوقاية من الإصابة بالامراض النفسية كالغيرة والعناد والكذب... ويجدر بالوالدين إمتلاك الوعي اتّجاه هذه الحقيقة التي جعلها الاسلام من الواجبات عليهما (أم وأب) لما فيها من أثر كبير على المجتمع .
أثر التربية على المجتمع :
إنّ أكثر العظماء الذين قضو حياتهم في خدمة الناس، كانوا نتاج تربية صحيحة تلقوها في صغرهم فأثرت على صناعة أنفسهم فأصبحوا عظماء بها .. والقرآن الكريم حين يحدثنا في أطول قصة جاءت فيه تدور أحداثها عن الصراع القائم والدائم بين الحق والباطل ... ومن أبرز الشخصيات التي واجهت الظلم بكل أبعاده وعناوينه هو موسى (ع) الذي جعله القرآن رمزاً في التحدّي والمواجهة للظاهرة الفرعونية على الارض ... نجد أن طفولته (عليه السلام) كانت تحت رعاية أم وصلت من خلال تربيتها لنفسها الى درجة من الكمال الانساني اوصلها الى درجة أن يوحى إليها : ﴿ وأوحينا الى أمّ موسى ﴾ ( القصص : 7 ) .
ثم تلقفته يد أخرى لها مكانة أيضاً في مدارج التكامل الإنساني وهي آسية زوجة فرعون التي تخلّت عن كلّ ما تحلم به المرأة من زينة ووجاهة اجتماعية مقابل المبدأ والحركة الرسالية وتعرضت لوحشية فرعون الذي نشر جسدها بعد أن وتده على لوحة خشبية وهي تدعو : ﴿رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ﴾ (التحريم : 11 )
واصبحت بذلك مثلاً ضربه الله للرجال والنساء المؤمنين : ﴿ ضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون﴾ (التحريم : 11 ).
وبالمقابل نجد ان أكثر من يعيث في الأرض فساداً أولئك الذين وجدوا في صغرهم أيادي جاهلة تحيط بهم.. وبمراجعة بسيطة في مزبلة التأريخ تلحظ طفولة المجرمين والطغاة نساءاً ورجالاً قاسية جافة بسبب سوء التعامل مع النفس البريئة.
جاء في الحديث الشريف : ( قلب الحدث كالارض الخالية ، ما ألقي فيها من شيء قبلته)(الوسائل : باب 84 ) .
(بادروا (أحداثكم) بالحديث قبل ان تسبقكم إليه المرجئة) ( الوسائل : باب 84 ) .
ومن الحديث الاول يتضح أن نفسية الطفل كالأرض الخالية التي تنبت ما أُلقي فيها من خير أو شر يتلقاه الطفل من والديه من خلال التعليم والسلوك... ومن الحديث الثاني تتضح ضرورة الاسراع في إلقاء مفاهيم الخير في نفسه الخصبة قبل ان يسبقنا اليه المجتمع ليزرع في نفسه افكاراً او مفاهيم خاطئة.
تقويم السلوك :
وتبقى التربية في الصغر عاملاً مؤثراً على سلوك الفرد وليس حتمياً .. بمعنى إن الفرد حين يكبر بإمكانه أن يعدل سلوكه وفكره فيما لو تلقى تربية خاطئة في صغره ... فله أن يجتثّ في سن الرشد أصول الزرع الشائك الذي بذره الوالدان في نفسه صغيراً .. وبإمكانه أن يذهب العقد التي خلفتها التربية الخاطئة وليمحو رواسبها.
جاء في الحديث الشريف عن الامام الصادق (ع) : ( إنّ نطفة المؤمن لتكون في صلب المشرك فلا يصيبها من الشر شيء، حتى إذا صار في رحم المشركة لم يصبها من الشر شيء، حتى يجري القلم ) (الكافي: 2).
ويعني (حتى يجري القلم) هو بلوغ الفرد مرحلة الرشد والتكليف ، فيكون مسؤولاً عن نفسه وعمله ليحصل بذلك على سعادته وشقائه باختياره وإرادته.
كيف يتم التعامل مع الابناء ؟
إنّ المربي الاسلامي يلزم الوالدين بأنواع من أساليب التعامل موزعة على مراحل ثلاث من حياة الأبناء ... وينبغي للوالدين معرفة وتوفير حاجات الابناء في كل مرحلة . وهي باختصار كالآتي :
المرحلة الاولى :
وفي هذه المرحلة ينبغي على الوالدين التعامل مع الطفل على اساس حاجته التي تتميّز بـ:
1 ـ اللعب .
2 ـ السيادة .
وكما جاء في النصوص الشريفة عن النبي (ص) : (الولد سيّد سبع سنين..) ( بحار الانوار :ج 101 باب فضل الأولاد ).
وعن الإمام الصادق (ع) : (دع ابنك يلعب سبع سنين...) (المصدر السابق).
وعن الإمام الصادق (ع) ايضاً : (اهمل صبيّك تأتي عليه ست سنين..)
ولعب الطفل التي تتحدث عنه الرواية تعني عدم إلزامه بالعمل فيما يتعلم من والديه.. وسيادته تعني قبول أوامره دون الإئتمار بما يطلبه الوالدان .. أما اهماله فهو النهي عن عقوبته .. فهذه المرحلة تكون نفسية الطفل بيد والديه كالأرض الخصبة بيد الفلاح تتلقف كل ما يبذر فيها من خير أو شرّ. ( قلب الحدث كالارض الخالية، ما القي فيها من شيء قبلته).
المرحلة الثانية :
وفي هذه المرحلة يجدر بالوالدين التعامل مع الطفل على اساس :
1 ـ عبودية الطفل .
2 ـ ادب الطفل.
فقد جاء في النصوص الشريفة : عن النبي (ص) : (الولد سيد سبع سنين ، وعبد سبع سنين ).
وعن الإمام الصادق (ع) : (دع ابنك يلعب سبع سنين ، ويؤدب سبعاً..)
وعنه ايضاً : (اهمل صبيّك تأتي عليه ست سنين، ثم أدبّه في ست سنين) .
وعبوديّة الطفل تعني طاعة والديه فيما تعلّم منهم في المرحلة الأولى، وأدّبه تعني إلتزامه بالنظام وتحمّله للمسؤولية، وهذه المرحلة بالنسبة للوالدين تشبه عند الفلاح وقت نمو الزرع الذي بذره وظهور الثمر.
المرحلة الثالثة :
تختلف هذه المرحلة عن الثانية في انّ الأبناء أصبحوا في المستوى الذي يؤهلهم لإتخاذ مناصبهم في الأسرة .. فالولد (ذكر أو أنثى) في هذه المرحلة :
1 ـ وزير لوالديه .
2 ـ مستشار لهم.
فقد جاء في الحديث الشريف، عن النبي (ص) : ( الولد سيد سبع سنين، وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين).
وعن الامام الصادق (ع) : (دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدب سبعاً، والزمه نفسك سبع سنين فإن أفلح وإلاّ فإنّه لا خير فيه)
وعنه ايضاً (ع) : (اهمل صبيّك تأتي عليه ست سنين ثمّ أدّبه في الكتاب ست سنين، ثم ضمه إليك سبع سنين، فأدّبه بأدبك فإن قبل وصلح وإلاّ فخل عنه).
ففي هذه المرحلة يكون الولد (ذكراً أو أنثى) كالنبات الذي حان وقت قطف ثماره.. فهو وزير لوالديه كالثمر للفلاّح، ووزير الملك الذي يحمل ثقله ويعينه برأيه . ( مجمع البحرين مادة وزر).
ولقد دعا موسى (ع) ربّه أن يكون له وزير في مهمته الصعبة : ﴿واجعل لي وزيراً من أهلي﴾ ( طه : 29).
ثم إنّ الزام الوالدين للولد في هذه المرحلة وضمه اليهما كما جاء في النصوص الشريفة تعني كونه مستشاراً لهم الأمر الذي يفترض قربه ودنوه من والديه ... أمّا إن كان الولد (ذكراً أو أنثى) في هذه المرحلة غير مؤهل لهذا المنصب في الوزارة والاستشارة ... فهذا يرجع الى سوء التعامل معه في الصغر .. فعدم وجود الثمرة يرجع الى البذرة لا الى التربة الخصبة، كذلك نفسية الطفل التي تنبت مابذر فيها ... ولا علاج لهذه الثمرة الرديئة ولا ينفع الأدب معها، وهو ما تشير اليه الرواية (فخلّ سبيله) أو (فإنّه لا خير فيه) .
العناد عند الاطفال
إنّ العناد مشكلة تعاني منها أكثر الامهات .. وهو مصدر تعب ونكد لهن .. والأم تحرص دوماً على طاعة ولدها لها... ولذا تظل متحيرة حيال رفضه لما تريد منه ... ولا تدري كيف تتصرف ازاء عناده.
ومع ان العناد ليس غريزة تولد مع الطفل كما تتصور بعض من الامهات.. بل هو مؤشر على خلل في نفسية الطفل نتيجة سوء التعامل مع غرائزه الفطرية النامية في المرحلة الاولى من عمره ... فالطفل حين بلوغه السنتين تبرز استعداداته الفطرية التي تحتاج الى رعاية واهتمام لبناء شخصيته المتزنة .. وأيّ خطأ أو انحراف عن الطريق الصحيح والسليم يجعله معانداً .. فالعناد اشارة خطر تدل الوالدين على ضرورة تقويم وتعديل سلوكهم .. ولذا جاء في الحديث الشريف : (رحم الله من أعان ولده على بره) (عدة الداعي : ص 61 )
ولكي يتجنب الوالدان حالة العناد عند أبنائهم .. لابّد من الاشارة الى كيفية التعامل الصحيح مع الطفل في المرحلة الاولى من حياته ... وهي كما يلي :
1 ـ اشباع حاجات الطفل :
إن الطفل في المرحلة الاولى من عمره (من عمر 1 الى 7 سنين) يحتاج الى الحب والحنان لتنمية قدراته النفسية، كما يحتاج الى الطعام والماء لتنمية قدراته الجسدية .. وكل فرد يحتاج الى قوة النفس لممارسة نشاطاته الحياتية، وتعتبر حجر الاساس في النجاح في الممارسات اليومية .. فالطالب في المدرسة يحتاج الى قوة النفس مع المذاكرة لتحقيق النجاح، لأن المذاكرة مع ضعف النفس لاتنفع شيئاً ... والمعلم يحتاجها أيضاً، كذلك الطبيب وكذلك الزوجة والأم.
وتاريخنا الاسلامي يسجل للإمة الاسلامية قوتها وصلابتها في مواجهة قريش وعدّتها وعددها بما أوتيت من ثقة بالنفس يحمله أفرادها ..إضافة الى أن باب خيبر الذي يعجز الرجال الاشداء عن حمله استطاع الامام علي (ع) بقوة نفسه أن يحمله وليس بقوته العضلية.
إنّ إشباع حاجة الطفل من الحبّ والحنان ضروري ، لذا أكدتها التربية الاسلامية في النصوص التالية :
عن النبي (ص) : (احبوا الصبيان وارحموهم) ) بحار الانوار : ج 101 باب فضل الاولاد).
وقال الامام الصادق (ع) : ( إنّ الله ليرحم الرجل لشدة حبّه لولده ).
وعنه ايضاً (ع) : (بر الرجل بولده برّه بوالديه) (من لايحضره الفقيه : ج3 باب فضل الأولاد ).
ولايكفي أن نحمل الحبّ لأولادنا في قلوبنا، بل ينبغي من الوالدين إظهار لهم من خلال السلوك مثل تقبيلهم.
جاء في الحديث الشريف عن الامام علي (ع) : ( من قبّـل ولده كان له حسنه، ومن فرَّحه فرَّحه الله يوم القيامة) ( بحار الانوار : ج 101 باب فضل الاولاد ).
وجاء رجل الى النبي (ص) فقال : ما قبّـلت صبياً قط، فلما ولى قال النبي (ص(هذا رجل عندنا إنه من أهل النار) (المصدر السابق).
وكذلك بادخال الفرح الى قلوبهم من خلال حمل الهدايا لهم والتوسعة عليهم.
قال النبي (ص) : من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها الى عياله كان كحامل صدقة الى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإنه من فرح ابنه فكانما اعتق رقبة من ولد اسماعيل.
(ليس منّا من وسّع عليه ثمّ قتر على عياله).(المصدر السابق)
2 ـ الإهتمام بوجود الطفل
إنّ الطفل بحاجة ايضاً في السبع السنوات الاولى من حياته الى شعوره بأنه يحتل في قلوب والديه مكاناً مهماً سواءً أكان ذكراً أو أنثى ، ذكياً أو بليداً ، جميلاً أو قبيحاً .. وينبغي للوالدين الانتباه الى هذه الناحية، مثل الاصغاء اليه حين يتحدث ... وأخذ مشورته في القضايا العائدة اليه ... واحترام رأيه حين يختار .. ونحن نلحظ ان المربي الاسلامي يوجهنا الى هذه المعاني .. ففي قصة إبراهيم الذي جاءه الامر الالهي في الذبح ، ومع ان الامر الالهي لا يتغير ولا يتبدل ، لكن إبراهيم (ع) لا ينفذه الا بعد المشورة : ﴿ يابنيّ إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك، فانظر ماذا ترى﴾ ( الصافات : 102 ) .
كذلك سيدة النساء الزهراء (ع) تحرص على إسماع أبنائها دعاءها لهم في صلاة الليل مع استحباب اخفائه، والسبب واضح لتأكيد اهتمامها بهم وبأنّهم يحتلّون في قلبها مكاناً، الأمر الذي دعاهم الى الاستغراب والتساؤل عن السبب في أن يكونوا في المرتبة الاخيرة في تعدادها للمؤمنين في ركعة الوتر ، فتقول لهم (ع) : ( الجار ثم الدار).
إنّ من المؤسف أن نجد بعض الآباء لا يهتمون بوجود الأبناء فيتجاهلونهم في وجود الضيوف، فلا يقدمون لهم الطعام ولا تعطى لهم فرصة في الحديث...إلخ.
3 ـ تمتّع الطفل بالحركة الكافية :
لابدّ أن يحصل الطفل على الحرية في المرحلة الاولى من حياته، فلا بدّ أن يجد المكان المناسب له في لعبه وحركته وترتيب لوازمه دون تدخّل الكبار.. ولا بدّ أن يجد الحرية في الحركة دون تحذير .. وأن لا يجد من يعيد ترتيب ممتلكاته بعد أن رتبها بنفسه.. وأن يجد الحرية في ارتداء ما يعجبه من الملابس واختيار ألوانها... فما دام هو السيد في هذه المرحلة وهو الأمير فلا بدّ أن يكون ترتيب البيت بشكل يتناسب مع حركته ووضعه كذلك يجدر بالوالدين التحلي بالصبر للحصول على النتائج الحسنة.
مظاهر الغيرة عند الطفل وكيفية معالجتها
إنّ كثرة الأولاد ليست سبباً في شجار الإخوة فيما بينهم كما تتصور بعض الامهات الكريمات .. بل الغيرة أحد اهم اسباب العراك بين أفراد الاسرة ... والغيرة من الامراض التي تدخل بيوتنا بدون إذن وتسلب راحتنا .. ولذا ينبغي الحرص على سلامة صحة الطفل النفسية في السبع سنوات الاولى من عمره أكثر من الاهتمام بصحته الجسدية .. وكثير من الامراض الجسدية التي تصيب الطفل في هذه المرحلة تكون نتيجة لسوء صحته النفسية .. والغيرة من الأمراض النفسية الخطيرة التي تصيب الطفل في المرحلة الاولى من حياته نسبة الى غيرها من الامراض ، كالكذب والسرقة وعدم الثقة بالنفس .. فالغيرة تسلب قدرة الطفل وفعاليته وحيويته كالسرطان للجسد.
ويمكن للوالدين تشخيص المرض عند أطفالهم من معرفة مظاهره ودلائله ... فكما إن الحمى دليل التهاب في الجسم ... كذلك للغيرة علائم بوجودها نستدل عليها وفي السطور القادمة سنتحدث عن مظاهر الغيرة عند الطفل.
إنّ الشجار بين الاخوة من أبرز معالم مرض الغيرة... وكذلك بكاء الصغير لأتفه الأسباب، فقد نجده في بعض الاحيان يبكي ويعلو صراخه لمجرد استيقاضه من النوم، أو لعدم تلبية طلبه بالسرعة الممكنة، أو لسقوطه على الارض ... أما العبث في حاجات المنزل فهو مظهر آخر للغيرة التي تحرق قلبه وبالخصوص حين ولادة طفل جديد في الاسرة ... أما الانزواء وترك مخالطة الاخرين فهو أخطر مرحلة يصل اليها المريض في وقت يتصور فيه الوالدان أنه يلعب ويلهو ولا يودّ الاختلاط مع اقرانه، وإن له هواية معينة تدفعه الى عدم اللعب معهم، أو إنه هادئ ووديع يجلس طوال الوقت جنب والديه في زيارتهم للآخرين .. ولا يعلم الوالدان ان الغيرة حين تصل الى الحد الاعلى تقضي على مرحه وحيويته تاركاً الاختلاط مع الآخرين ومنطوياً على نفسه.
إن الغيرة وأي مرض نفسي أو جسدي لا بدّ أن يأتي عارضاً على سلامتنا، ولا يمكن أن يكون فطرياً... فالسلامة هي أصل للخلقة وهي من الرحمن التي الزم الله بها نفسه عزّ وعلا ﴿ كتب ربّكم على نفسه الرحمة﴾ (الانعام : 54 ) .
والغيرة تبدو واضحة للوالدين في الطفل في مرحلته الاولى ... وتختفي مظاهرها (فقط ) بعد السابعة ، حيث يتصور الوالدان ان طفلهما اصبح كبيراً لا يغار ، وهو خطأ .. فالطفل في المرحلة الثانية من حياته يقل اهتمامه واعتماده على والديه ويجد له وسطاً غير الاسرة بين أصدقائه ورفاقه في المدرسة أو الجيران... ولا تنعكس مظاهرها الا في شجاره مع إخوانه في الاسرة ... أما في المجتمع فله القسط الأوفر من آثار الغيرة التي يصاب بها الابناء.
أمّا أسباب الغيرة عند الطفل في المرحلة الاولى من عمره ، فهي كالتالي :
إنّ الكائن البشري صغيراً أم كبيراً، إمرأة أو رجلاً أسود أو أبيض .. يمتلك قيمة وجودية من خلال سجود الملائكة له ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾ (البقرة : 34) .
إضافة الى انّ كل المخلوقات جاءت لتأمين احتياجاته ومسخرة لخدمته ﴿ وسخر لكم ما في السموات وما في الارض جميعاً منه﴾ ( الجاثية : 12 ).
وفي الحديث القدسي : ﴿يا ابن آدم خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي﴾.
وقيمة أخرى إنّه يحمل نفحة من روح الله بخلاف الكائنات الأخرى ﴿ فاذا سويته ونفخت فيه من روحي﴾ (ص : 72 ) .
ولأهمية وجود الكائن الإنساني اختصت به أحكام الاهية منذ ولادته، مثل حرمة قتله ووجوب دفع الدية حين تعرضه لأيّ أذى مثل خدشه أو جرحه او جنونه ، وحتى الطريق الذي يسير فيه لا يجوز تعريضه للاذى فيه بأن ترمي الاوساخ فيه أو تقطع الطريق عنه بسيارة أو حاجة ، حتى وقوفك للصلاة فيه... الى غير ذلك من الاحكام الشرعية التي تعكس لنا مدى اهتمام الخالق بوجود الانسان ووجوب احترامنا له.
وحين يتعرض الطفل الى تجاهل الآخرين يبرز العناد كوسيلة دفاعية لما يتعرض له من أذى في عدم الاهتمام به ... كذلك حين يهتم الوالدان بواحد ويتجاهلان الآخر .. ولقد رفض المربي الاسلامي هذا التعامل مع الابناء لأنه يزرع الحقد في قلبه لأفراد أسرته وحتى لأبويه وللناس ... فلقد أبصر رسول الله (ص) رجلاً له ولدان فقبّـل أحدهما وترك الآخر ... فقال رسول الله (ص) : (فهلا واسيت بينهما ) (من لا يحضره الفقيه : ج 3 باب فضل الأولاد).
هل تجب المساواة بين الابناء ؟
إنّ التربية الاسلامية ترفض من الابوين الاهتمام بطفل مقابل تجاهلهم الآخر .. ولكن لا بأس بالاهتمام بواحد او اكثر من الابناء الآخرين مع عدم تجاهل أحد منهم .. والقرآن الكريم حين يتعرض الى قصة يوسف وإخوته الذين حقدوا عليه وألقوه في البئر ، يقرّ انّ نبي الله يعقوب كان يهتم ويحب جميع أبنائه ولكنه يخص يوسف بنصيب أكبر لما يجد فيه من خير يفوق إخوته ... تقول الآية الكريمة عن لسان إخوة يوسف : ﴿إذ قالوا ليوسف أحبّ إلى ابينا منّا﴾ (يوسف :
.
ولم يقل إخوة يوسف إن أباهم ينفرد بحبّ يوسف دونهم ، لأن تفضيل الوالدين لطفل على آخر ـ مع عدم تجاهل أي أحد من الابناء ـ يدفع بالجميع الى منافسة الطفل الذي اختص بالعناية في الميزة التي لأجلها اكتسب الأفضلية في قلب والديه .. وتجعل الأبناء في حلبة السباق الى فعل الخير.
ويجدر بالآباء أن يمتلكوا الحكمة في الميزة التي بها يتّم التفضيل بين الابناء .. حين تكون للمعاني الحقيقية مثل الاستجابة لفعل الخير والبرّ بالآخرين وامتلاك صفة الكرم والصبر على الأذى .. فمن الصحيح أن يغدق الوالدان الحبّ لطفل أهدى لعبته المحبّبة لآخر مستضعف قبال إخوته الذين يحرصون على أشيائهم... إنّ هذا التفضيل يدفعهم الى منافسته في هذا الفعل .. طبعاً التربية الاسلامية لا تشترط التفضيل ، بل تراه صحيحاً .. فعن أحد الرواة قال :
سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل يكون له بنون ، أيفضّل أحدهم على الآخر ؟ قال (ع (نعم لا بأس به قد كان أبي عليه السلام يفضلني على عبد الله). (من لا يحضره الفـقيه : ج3باب فضل الأولاد).
إنّ بعض الأمهات حين يفضلن طفلاً على آخر لإمتلاكه صفة الجمال أو لأنه ذكر، فإن هذا النوع من التفضيل خطأ في المنظور الاسلامي، ذلك لأنّ الجمال او الذكورة او غيرها من المعاني لايمكن التسابق فيها..
فلا يملك الطفل القدرة على أن يكون أجمل من أخيه الذي اكتسب الحظوة عند أبيه...وعندها لا يكون أمام الطفل إلاّ منفذ واحد للخروج من أزمته النفسية وهو الغيرة والحقد على من حوله في الأسرة والمجتمع .. فعن مولى المتقين علي (ع) إنّه قال : (ما سألت ربّي أولاداً نضر الوجه، ولا سألته ولداً حسن القامة، ولكن سألت ربي أولاداً مطيعين لله وجلين منه، حتى إذا نظرت إليه وهو مطيع لله قرّت عيني). (البحار : 101 باب فضل الأولاد) .
المقارنة بين الأبناء :
إنّ استخدام الوالدين المقارنة بين الابناء اسلوب مزعج لهم.. فكما أن الزوجة تنزعج حين يطلب الزوج منها أن تكون مثل الجارة ماهرة في إعداد الحلوى ... أو يزعجها أيضا تعنيفه لها رافضاً منها ان تكون مثل الجارة مهملة في ترتيب البيت ... إضافة الى الآثار الأخرى من انكماشها وعدم ارتياحها من الطرف الآخر المقارن معها .. والطفل كذلك نفسيته مثل الكبير ، فكما انّ المقارنة تزعج الأم وكذلك الأب ، فهي تزعجه هو أيضاً مع حالة من التوتّر تصيبه مقابل أخيه المقارن معه.. لذا ينبغي على الوالدين عدم استعمال المقارنة بين الابناء بالمديح أو الذم .. مثل أن تقول الأم لصغيرها لماذا لا تكون مثل أخيك الذي يحافظ على ملابسه دوماً، أو لا تبك وتكون مزعجاً مثل أخيك.
كيف نعالج الغيرة عند الابناء؟
إنّ معرفة الداء نصف الدواء، كما يقول الحكماء .. ولذا فمعرفة أسباب الغيرة تنفعنا كثيراً في العلاج حين نتوقى العوامل المسببة للمرض.. إضافة الى أن أهم علاج للغيرة يتركز في إشباع حاجتهم للحب والحنان مع الاهتمام بوجودهم وهي نفس الاسباب التي تدفعهم للعناد وعدم طاعة الوالدين .. فالغيرة والعناد قرينان حين يوجد أحدهما تجد الآخر .. وهي نتاج للعناد .. ففي بادئ الأمر يكون الطفل معانداً لأسباب مرّت معنا .. فإذا لم يتم علاجه ، يتفاقم الأمر عليه ويصاب بمرض الغيرة فلا ينسى الوالدان ان يسمّعاه كلمات الحب والاطراء والتقدير والمديح والاهتمام بوجوده.
وقد تثير الام الحديثة العهد بالولادة سؤالاً حول إمكانية توزيع الإهتمام على كل الأبناء في وقت يأخذ الرضيع كل اهتمام الأم ووقتها نحن ننصح مثل هذه الأم التي حين تهتم برضيعها ، يقف الاكبر ينظر متالماً من الزائر الجديد الذي عزله عن والديه .. أن تعالج الموضوع كما يلي :
1 ـ إشعار الطفل بأنّه كبير :
إنّ الام وهي ترضع صغيرها بإمكانها أن تتحدث مع الكبير قائلة : كم اتمنى أن يكبر أخوك ويصبح مثلك يأكل وحده وله أسنان يمضغ بها ويمشي مثلك و.. و.. حتى أرتاح من رضاعته وتغييّر فوطته، ولكنه مسكين لا يتمكن من تناول الطعام او السيطرة على معدته .
وتقول لطفلها الاكبر حين يبكي الرضيع وتهرع إليه : نعم جئنا اليك فلا داعي للبكاء .. إن أخاك سوف يعلمك أن تقول اني جوعان بدل الصراخ والضجيج. وبهذه الكلمات وغيرها من التصرفات يمكن اشعاره بأنّه كبير. والصغير يحتاج الى هذه الرعاية.
2 ـ لا تقولي له لا تفعل :
وحتى نجنبه الغيرة من الرضيع يحسن بالأم ان لا تقول للطفل الكبير لاتبك مثل أخيك الصغير.. أو لا تجلس في حضني مثل الصغار .. أو لا تشرب من زجاجة الحليب العائدة لأخيك الصغير.
3 ـ إعطاؤه جملة من الإمتيازات :
لابدّ من إشعار الطفل بأنّه كبير وإنّ الإهتمام بالصغير لعجزه وعدم مقدرته إضافة الى اعطائه جملة من الامتيازات لأنّه كبير .. فلا يصح الاهتمام بالوليد دون أن يحصل هو على امتيازات الكبار.. ولا بدّ من الحرص على إعطائه بعض الاشياء لأنّه كبير، مثل أن تخصّـيه بقطعة من الحلوى مع القول له : هذه لك لأنّك كبير، ولا تعطيها لأخيك لأنّه صغير .. وهذه اللعبة الجميلة لك لأنّك كبير، أمّا هذه الصغيرة فهي للصغير .. وكذلك يجب الحذر من إعطائه لعبة بعنوان انّها هدية له من أخيه الوليد .. لأنّ هذا التصرّف يوحي له بالعجز عن تقديم هدية لأخيه مثلما فعل الاصغر منه .. وتزيد غيرته منه.
4 ـ إرفضي إيذاءه واقبلي مشاعره :
لابدّ ان تمنعي بحزم محاولة الطفل الكبير إيذاء أخيه الصغير بأن يرفع يده ليهوى بها عليه .. بأن تمسكي يديه أو الحاجة التي يحملها لضربه .. ومع ذلك إمسكيه واحضنيه بعطف واحمليه بعيداً عن أخيه .. لأنّ الطفل بالحقيقة لا يريد إيذاء اخيه، ولكن سوء تعامل الوالدين واهتمامهم بالرضيع دونه دفعه الى هذا الفعل .. لذا ينبغي على الام ان تمنع الاذى وتقبل مشاعره الغاضبة عنده لأنه لا يملك القدرة على التحكم بها .
5 ـ الشجار بين الأخوة :
أمّا الخصام بين الاخوة .. فيمكن علاجه كالتالي :
يجدر بالوالدين عدم التدخل في الخلافات بين الابناء ... مادام التدخل لا فائدة مرجوّة منه بسبب الغيرة التي هي وقود النزاع بين الاخوة والتي تحتاج الى علاج كما أسلفنا.. هذا إن كانت الخلافات لا تتعدى الإيذاء الشديد بأن يكسر أحدهما يد الآخر .. أو يكون أحدهما ضعيفاً يتعرض للضرب الشديد دون مقاومة... إنّ الأفضل في مثل هذه الحالة إيقاف النزاع .. ولو إن عدم تدخل الوالدين تنهي الخلاف بشكل أسرع ، ولكن لعل نفاد صبر الوالدين يجعلهم يتدخلون في النزاع ، وهنا يجدر بهم ان لا يستمعوا الى أي احد من أطراف النزاع .. ولا الوقوف مع المظلوم او العطف عليه.. لأنّ الاستماع وابداء الرأي وابراز العواطف لاحد دون آخر يزيد في الغيرة التي تدفعهم الى العراك .. كما يجدر بالوالدين عدم إجبار طفلهم الذي انفرد باللعب ان يشارك اخوته الذين يريدون اللعب معه او بلعبته .. إنّ إجباره يولّد حالة الشجار فيما بينهم أيضاً.
السلوك الحسن لدى الطفل
كلُّ أم تطمح في أن يكون طفلها ذا سلوك حسن مع أفراد أسرته وجيرانه وأقربائه.. وتشعر بالخجل فيما لو أساء التصرف بكلمة بذيئة او مشينة.. إضافة الى ان الطفل السيّ السلوك يكون منبوذاً محتقراً لدى الآخرين، مما يؤدي الى تعاسة الطفل وشقائه.. لذا كان من الضروري ان يتحلى اطفالنا بالسلوك المهذب.. أما كيف نخطو نحو السلوك المهذَّب؟
إنّ السلوك المهذب لدى الطفل في مرحلته الاولى أمر يأتي بطبيعته تماماً كما أنه بطبيعته يمشي على قدميه دون يديه.. ولكن نحتاج معه الى أمرين :
الأول ـ التعليم والإرشاد :
إنّ الطفل في المرحلة الاولى من عمره يحتاج الى تعليمه الآداب والأسس التي يتعامل بها مع الآخرين كباراً وصغاراً.. وعلى تعليم هذه المرحلة من العمر تقوم أخلاقه في المرحلة الثانية.. ولذا جاء في الحديث الشريف عن الصادق (ع) : (دع إبنك يعلب سبع سنين ويؤدب سبعاً ).
وقد يهمل بعض الآباء ضرورة تعليم وإرشاد أبنائهم في السبع سنوات الاولى من عمرهم بحجة انشغالهم بأمور أخرى مهمة لطلب الدين او الدنيا.. فيأتي التوجيه من المربي الاسلامي للآباء :
عن النبي (ص) انه قال : (لئن يؤدب أحدكم ولداً خيرٌ له من أن يتصدق بنصف صاع كل يوم ( بحار الانوار : ج 101 باب فضل الاولاد.
ومع تأديب الطفل وتعليمه السلوك في المرحلة الاولى من عمره لا يحتاج الى وقت بقدر ما يحتاج الى وعي ومراقبة لسلوك الطفل والتدخل في الوقت المناسب مع مراعاة الشروط اللازمة، وهي :
1 ـ ممارسة الوالدين للآداب : إنّ تعليم الطفل في المرحلة الاولى من عمره آداب السلوك لا يأتي عن طريق إلقاء المحاضرات عليه وطرق أسماعه بجملة من النصائح بقدر ما يأتي عن طريق التزام الوالدين بالسلوك.. ولا يمكن لأيِّ فرد صغيراً او كبيراً ان يلتزم بنصيحة المربي قبل ان يلزم نفسه بها.. ولذا نلحظ رسول الرحمة محمداً (ص) يرفض طلب ام في نصيحة ابنها بعدم تناوله للتمر بسبب تناوله (ص) للتمر في ذلك اليوم، وطلب منها ان تأتيه يوم غد حتى يمتنع صلوات الله عن تناول التمر ليمكنه نصيحة الطفل.
نعم إنّ من الصعب جداً ان تطلب الام من طفلها أن يعير لعبته الى ضيفه الزائر ليلهو بها بعض الوقت.. ويجدها تمتنع من الاستجابة لطلب الجيران لماكنة فرم اللحم.. إنّ الطفل يتعلم من تصرف أمه هذا، إنّه ينبغي الحرص على ما يملك ولذا تصرّف، وكما تعلّم من والديه، بهذا الشكل مع الآخرين.. وهكذا ايضاً حين يدخل على ابيه مع ضيوفه ولا يؤدي التحية لهم.. فيطلب الاب منه باصرار ان يسلم، في وقت يجد الطفل اباه لايؤدي التحية حين دخوله البيت... ومن هنا اكدت التربية الاسلامية على ضرورة الالتزام بما يريدون من الابناء والقرآن الكريم يوجهنا الى هذه الحقيقة ﴿ كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون ﴾ (الصف : 3).
2 ـ تعليم الطفل دون غضب وتوتّر : قلنا سابقاً ان الوالدين عليهما تعليم أولادهما أدب السلوك حتى يلتزموا به.. لأنّ الكائن البشري قابل للتعلم بخلاف الحيوان : ﴿ علّم الانسان ما لم يعلم ﴾ (العلق : 5 ).
فالإنسان لا يمكنه النطق والتكلم بدون تعليم ولو ترك وحيداً لما تعلم الكلام واللغة.. أما الحيوان فيعجز عن النطق حتى مع التدريب والتعليم.. وكذلك لو تركنا صغير الإنسان في غرفة مع صغير الحيوان ووضعنا بجانبهما ناراً تشتعل.. نلحظ أنّ الصغير يتوجه اليها متصوراً إنّها لعبة جميلة، ويحذرها صغير الحيوان لإدراكه بالفطرة.. أما الانسان فيدركها من خلال التعلم والتجربة.
ومن هنا كانت مسؤولية الآباء تعليم اطفالهم شريطة ان يكون بدون غضب وتوتّر.. فكما انّ الأم ترفض من زوجها قوله لها غاضباً حانقاً : كان يجب ان تقومي بزيارة للجيران.. كذلك الطفل يرفض التعلم مع الغضب والتوتر.. فلا يصح أن تقولي له وانت غاضبة : من المفروض ان تحافظ على ملابسك من الاتساخ، والاولى ان تقولي له بهدوء : كم هو جميل ان نحافظ على ملابسنا من الاتساخ.. إن الطريقة الاولى تجعل الطفل معانداً للتعلم والعمل، بعكس الثانية التي توصلنا وبسرعة الى الهدف المطلوب.
الثاني : حب الناس
إنّ تنمية الإستعدادات الفطرية والغرائز المعنوية لدى الطفل.. أمر يعود بالنفع عليه وعلى والديه والمجتمع.. ومن هذه الغرائز حب الناس.. ذلك لأنّ كل إنسان اجتماعي بطبعه.. وكلما ازداد حباً لمن حوله زادت بهجته وأنسه في الحياة لذا نلحظ ان الاسلام اهتم بهذا الامر كثيراً حتى جعل العمل في خدمة الناس أمراً تعبدياً به يحصل المعبود على القرب الالهي.. فقد جاء في الحديث القدسي : (الخلق عيالي.. أقربكم مني مجلساً أخدمكم لعيالي ).
وعن مولى المتقين علي (ع) : (إصلاح ذات البين خير من عامة الصلاة والصيام).
وعلى هذا الاساس يجب العناية بغريزة حب الناس التي تولد مع الطفل وتحتاج الى رعاية الوالدين لتنمو وتتجذر.. ويمكن أن تكون الرعاية بالشكل التالي :
أ ـ سلوك الوالدين :
إن سلوك الوالدين ذو أثر فعّال على تربية الطفل وبناء شخصيته.. والمنهج التربوي في الاسلام يحمل اتباعه على الانطلاق من قاعدة حب الناس في تربية النفس وفي العمل التغييري في الامة.. فالمؤمن له حقوق وعليه واجبات، فالمؤمن لايسخر من أخيه ولا يظهر عيبه ولايخذله ولايؤذيه، ويكون معه في الشدة وإن سرّه كان في ظل الله، وإن آثره على نفسه حصل على القرب الالهي و.. و.. وأخيراً نجد ان الملتزم بالاسلام لايمكن إلاّ ان يمتلأ قلبه بحب الناس كلما إزداد ايماناً وارتباطاً بخالقه.. ويكتسب الطفل من والديه ويتعلم في ظلهما حب الناس.. حين ترحب امه بالضيف لانه حبيب الله.. ولا ترضى أن يسمعها حديثاً من عيوب أقرانه لأنه من الغيبة التي حرمها الله.. وتعطي للجيران ما يطلبونه منها حتى لاتكون من المنبوذين في القرآن : ﴿ويمنعون الماعون﴾ الماعون : 7 .
ب ـ المرور بالحوادث بوعي :
إنّ الطفل في سنواته السبع الاولى كثيرا ما يرافق والديه ويكون اكثر الوقت معهما.. ويمكن للآباء الاستفادة من بعض القضايا والحوادث لإحياء غريزته في حب الناس.. فمثلاً حين المرور على البقال لشراء بعض الخضروات منه، يمكن أن تحدث الام طفلها عن الطعام الذي تعده من الخضر يكون بفضل البقال الذي يذهب من الصباح الباكر ونحن نائمون الى المزرعة ليأتينا بما نحتاج اليه من الطماطة والكرفس والخيار والبطاطا.. حيث يقوم الفلاح في المزرعة بحرث الارض و.. و.. .
وهكذا يمكن سرد قصة تهدف الى تكافل الناس وحبّ بعضهم للآخر ليستفيد منها في حبّه للآخرين.
وأد الغريزة :
ومن خلال سلوك الوالدين والاستفادة من بعض القضايا والحوادث التي يمر بها الطفل واخرى غيرها، يمكن إنماء غريزة حبّ الناس الوليدة في كل طفل.. كما نحذّر في الوقت نفسه من وأد هذه الغريزة التي تؤدي بالطفل مستقبلاً الى الشقاء.. فلا يمكن العيش براحة واستقرار والقلب لايمتلك حباً للآخرين.. أمّا كيف نميت هذه الغريزة عند أطفالنا، فتكون بالشكل الآتي :
اولاً ـ التعلم من الوالدين :
سلوك الوالدين مرة أخرى يفرض وجوده في التعليم، ولكنّه في هذه المرة ذو بعد سلبي، حيث يقتل الغريزة الانسانية بدل ان يرعاها.. فالأم مثلا حين ترفض من طلفها الذي يصر على ارتداء سروال الصوف في فصل الصيف بقولها له : إن الناس تضحك عليك حين يشاهدونك وانت بهذا الشكل.
وحين تخشى عليه من الذهاب وحده لشراء حاجة، فتقول له : إن ذهبت وحدك فسوف يختطفونك ويسرقون ماعندك.
إنّ هذه الأقاويل وغيرها مع فرض صحتها تميت علاقته مع الناس وتثبت في نفسه حقداً عليهم لأنهم يقفون حائلاً دون تحقيق رغباته.. والاجدر بالآباء ان يمنعوا أبناءهم بأعذار اخرى ليس لها آثار سلبية على الطفل وبالخصوص في المرحلة الاولى من عمره.
كذلك حين تبدي الام ضجرها من كل الضيوف الزائرين.. أو تجهد نفسها وأفراد عائلتها بترتيب وتنظيم البيت لاستقبال الضيوف اتقاء لكلام الناس مع احاديثها المتواصلة عن الشرور التي تتلقاها من الناس وصمتها عن كثير من المعروف الذي اسدي اليها.. كل هذه التصرفات تعكس للطفل ان الناس مصدر للشر والاذى دوماً.
ثانياً ـ أثر القصص الهدّامة :
إن للقصة أثراً بالغاً على نفسية الطفل في مرحلة حياته الاولى، والقصة حين يستمع الطفل اليها مثل البذر الذي يستقر في التربة ليثمر بعد حين.. وينبغي على الوالدين التفكّر بهدف القصة قبل سردها للطفل.. وقراءة بسيطة لقصة ليلى والذئب التي يعرفها اكثر اطفالنا مثلما يعرفون اسماءهم.. تجد انها تصوّر الناس بأنّهم يظهرون لك الحب والولاء ويضمرون لك الشرّ والعداء.. من خلال شخصية الذئب الذي يمثل بصورة الجدّة المحبة للأطفال.. كذلك قصة جحا والحمار التي تصور الناس بأنهم يتصيّدون حركات الأفراد للحديث عنهم بسوء، ولا بدّ من اتقاء شرورهم التي تلاحقك في كل حركة صحيحة أو خاطئة.. وقصة قطر الندى التي يتمركز محورها حول شخصية (زوجة الاب) المؤذية الحقودة.. التي تجعل الطفل قلقاً من امثال هذه الشخصيات التي قد يبتلى بها.. والاجدر بالادب القصصي ان يعكس صورة زوجة الاب بالمربية الحنونة التي تحب الاطفال وترعاهم.
ثالثاً : الإكراه في الكرم :
كثير من الآباء يفرضون حالة الكرم على اطفالهم الصغار.. فالصغير حين يحمل قطعاً من الحلوى أو يلهو بلعبته المفضلة.. فتبادر الأم حين مرورها بصديقة مع طفلها، او تزورها إحدى الصديقات بأن يعطيه جزء من قطعة الحلوى او يشاركه في اللعب.. ويرفض طفلها وتلح عليه كثيراً حتى يخشى غضبها فيعطيه ويشاركه.. إن فرض الكرم على الطفل لايخلق عنده خلق الكرم كما يتصور الوالدان.. بل تبعث في نفسه كراهية وحقداً للناس.
العقوبة والتهديد
تختلف العوائل بعضها عن بعض في شكل العقوبة الموجهة للأبناء ... وكلّ يدافع عن طريقته في العقاب وأثره في التربية .. ونحن هنا نستعرض ثلاث حالات يحتاج فيها الوالدان للعقوبة والتي هي :
1 ـ سوء السلوك ، حين يستعمل الطفل الكلمات النابية او يسيء الى الآخرين .. فلا يجد والده غير العقوبة رادعاً عن قلة الأدب ..
2 ـ التصرفات الخاطئة ، وهي حالة أخرى يوجّه فيها الآباء عادة العقوبة لابنائهم حين يكون الطفل ثرثاراً او غير مبال في اتساخ ملابسه وتنظيم حاجاته ...
3 ـ العناد ، في عدم طاعة والديه تدفع الآباء الى عقوبة أبنائهم.
ان الاباء وبالخصوص أولئك الذين يستخدمون العقوبة القاسية .. عليهم التريّث قليلاً ليفكروا بأنّ ما أوصل الطفل الى الحالة التي جعلته معانداً او قليل الادب او غير ذلك هي نتيجة سوء تربيتهم له ... فما هو ذنب الابناء أذن ?
نحن لا نقول إن على الوالدين ترك أبنائهم مطلقاً دون عقاب ... بل نؤكد على اختيار العقوبة المفيدة الرادعة للطفل .. حيث نلحظ أن انواع العقوبة التي تعارف عليها أفراد مجتمعنا هي باختصار :
الإيذاء الجسدي، بأن يستخدم الوالدان ضرب الطفل او شدّه الى احد أركان البيت أو حرق أجزاء بدنه الى غير ذلك من العقوبات الجسدية .
الإيذاء النفسي، مثل الشتم والسبّ والقول للطفل بأنّنا لانحبك أو عدم تكليمه لمدة طويلة إلى غير ذلك من الاساليب المؤذية .
إنّ كلّ أنواع هذه العقوبة سواء أكانت جسدية أو نفسية حسب المنظور الإسلامي للتربية خاطئة حيث ينص الحديث الشريف : (دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدبّ سبعاً وألزمه نفسك سبع سنين).
بمعنى إن السبع سنوات الأولى من حياة الطفل تحمل عنوان اللعب واللعب يعني تعليمه وإرشاده دون إلزامه وتحمّله لمسؤولية فعله .. والعقوبة تعني تحميله مسؤوليات العمل إضافة الى ان الاذى الجسدي والنفسي الذي نسببه للآخرين هو من الذنوب الجسيمة التي لا ينفع الاستغفار وحده لمحوها، بل نحتاج معها الى الديّة، والديّة ضريبة مالية تحدد قيمتها على الاثر الذي يتركه الأذى الجسدي أو النفسي .. وبدونها (الدية) لا يمكن تحقق العفو الألهي الا بعفو المقابل ورضاه.
إن النهي عن استخدام العقوبة المؤذية للجسد والنفس .. لا تعني مطلقاً ترك الطفل يتمادى في غيّه دون فعل شيء .. فالمربي الاسلامي يدعونا الى اظهار الخطأ بشكل لطيف وبدون أذى للطفل .. ويعتبره من أفضل انواع العقوبة الرادعة لخلوها من الآثار السلبية على نفسية الطفل .. بالاضافة الى الجوانب الايجابية في إعداد الطفل في مرحلته الاولى لتحمُّل المسؤولية.
جاء في الحديث الشريف عن أحد أصحاب الإمام المعصوم قائلاً : ( شكوت الى أبي الحسن موسى (عليه السلام) إبناً لي، فقال : لا تضربه .. واهجره .. ولا تطل).
فالمربي الاسلامي في الوقت الذي ينهى عن استعمال الضرب الذي هو ذا أثر سيء على الجسد .. كذلك ينهى عن الإيذاء النفسي (لا تطل ) اي لا تطيل مدة عدم تكليمك إيّاه (الهجر) ... والإكتفاء بهجرانه لمدة قصيرة بسبب خطئه .
إن توضيح الخطأ للطفل من أهم الامور في هذه المرحلة ? ولكن البعض من الآباء يعاقبون أبناءهم دون ان يعرفوا مالذي ارتكبوه أو ان الام تنظر الى طفلها فلا تمنعه من عمل يمارسه .. وفي وقت آخر يتعرض للعقوبة بسبب الفعل ذاته.. إنّ هذه الحالة تشوّش الطفل كثيراً فلا يميز بين الخطأ والصواب .. وحين يأتي الطفل الى امه باكياً لأنّ لعبته انكسرت بيديه او عند اصدقائه .. وبكاؤه دليل معرفته للخطأ .. فلا يصح من الأم ان تعاقبه وتكون عليه .. فما دام يفهم الخطأ فعليها أن تكون معه تبدى تأسفها وحزنها لما حدث له.
التهديد :
إذا كانت العقوبة لغرض التأديب .. فليطمئن الوالدان بأنّ التهديد يضعف من أثر التأديب.. كيف ?
لأنّ التهديد وحده دون تنفيذ العقوبة .. كأن تهدّد الأم صغيرها بالضرب أو حرمانه من شيء يحبّه .. ونفّذت التهديد، فالسلبيات تدخل في انواع العقوبة المؤذية التي لها آثار سلبية فضلاً عن عدم جدواها في التأديب .. وإذا لم تنفذ التهديد فهو خطأ جسيم آخر لأنه يضعف من شخصيها أمام الطفل.
من هنا نلحظ ان التهديد سواء نفذ ام لم ينفذ فلا فائدة مرجوة منه ولا يصل بالوالدين الى الهدف الذي ينشدانه في تأديب الطفل .. حتى بالتهديد المثير للذعر .. مثل تخويفه بالشرطة او بمن يسرقه او بالحيوان المفترس ... ويجب على الوالدين تركه لأنّه يؤثر على مشاعره ويزيد في مخاوفه ويثير قلقه.
ولعل سائلاً يقول :
لماذا تقرّ التربية الاسلامية إسلوب التهديد ? كما جاء في الآية الكريمة المقدسة : ﴿ فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ﴾ (الماعون : 5) .
وجوابه إن العقوبة الإلهية للعبد تختلف عن العقوبة التي يستخدمها الوالدان للطفل بأنها (العقوبة الالهية) نتيجة طبيعية لفعل العبد ... مثل حصاد الاشواك لمن زرع بذرته .. أو فشل الطالب الذي انشغل باللعب واللهو في وقت الامتحان ... وتختلف عن عقوبة المربين بأنّها عارضة على الانسان . مثل ضرب الوالدين للابن لعدم اهتمامه بدراسته، او طرد الفلاح من المزرعة لعدم زرعه النباتات المثمرة المفيدة .. فالعقوبة الالهية إذن نتيجة طبيعية لفعل الإنسان ... وعقوبة الوالدين نتيجة غير طبيعية لفعل الأبناء .. ومن هنا كان التهديد الذي استعمله القرآن يختلف تماماً عن التهديد الذي يستعمله المربّون .. فهناك اختلاف كبير بين أن تقول للطالب مثلاً :
الويل لك إن لم تهتم بدراستك، فإنّ الفشل نصيبك.
او الويل لك إن لم تهتم بدراستك ? فان الضرب المبرح نصيبك.
فالنوع الاول من التهديد مفيد في التأديب والتربية، لأنّه لا يستبطن العقوبة المؤذية من جهة .. ولأنّه (التهديد) يلفت النظر ? وبدون إيذاء ? الى الخطأ الذي ينتظر الفاعل.
أما النوع الثاني من التهديد فهو غير مفيد لعدم تأثيره في الفاعل وللأسباب التي ذكرناها في موضوع التهديد .. ومن هنا كان الاسلوب القرآني في تربية العبد باستخدام التهديد مفيداً ومثمراً ومؤثراً .
إنّ العوامل النفسية التي تكمن وراء استخدام الوالدين انواع العقوبة القاسية تجاه أخطاء ابنائهم وكما يراها علماء التربية الغربيون .... هي مايلي :
1 ـ تعرّض الوالدين في صغرهم لنفس العقوبة التي يستعملونها مع أبنائهم ? كردّة فعل نفسية يندفع اليها الفرد حين لايتمكن من رد الاذى عنه ضعيفاً في الصغر .
2 ـ تنفيس لحالة الغضب التي يعايشها المعاقب بسبب توتّره من كلمة او إهانة او مشكلة يعاني منها لايقدر على مواجهتها فتنعكس على الابناء .
3 ـ شعور الوالدين بالعجز تجاه تصرفات أبنائهم الخاطئة او مع الآخرين لضعف شخصيتهم وعدم ثقتهم بأنفسهم، الأمر الذي يدفعهم الى العقوبة القاسية مع ابنائهم للتغطية على ضعفهم والخروج بمظهر القوة.
مظاهر التوتر عند الطفل وأسبابه
التوتر مرض عارض يصيب نفسية الطفل لاسباب متعددة ... ويرافقه طيلة يومه ولا ينفك عنه فيفقده نشاطه ومرحه وتفتحه للحياة .. ويختلف تماما عن الغضب ولأنّ اكثر الآباء لا يميزون بين الغضب والتوتر عند الطفل .. لذا نطرح اهم مظاهر هذا المرض، حتى يمكن للوالدين تشخيص حالة المرض عند أبنائهم وهي كالتالي :
1 ـ ضعف ثقته بنفسه :
إنّ كل الآثار التي يخلفها التوتر على الطفل غير مرغوبة عند الوالدين بشكل عام، فالأم يحزنها أن تجد طفلها قلقاً يقضم أظفاره ويتعرض للفشل طيلة حياته في نشاطاته المختلفة ابتداءاً من المدرسة ثم حياته الزوجية والعملية .. وما نراه في مناطق كثيرة من امم تعيش تحت سطوة الحاكم الجائر دون ان تسعى لتغيير ماعليها بكلمة او حركة، ترجع اسبابه الى الافراد الذين تتكون منهم تلك الامم ممن فقدوا ثقتهم بأنفسهم فاصبحوا أذلاء .
2 ـ الجُبن :
ان الطفل حين يخشى الظلمة او النوم في مكان بعيد عن والديه، او خوفه من الماء الى غير ذلك من المخاوف التي تجعله جباناً لا يقدم ولا يؤخر .. وكل هذه المخاوف تأتي للطفل نتيجة توتره.
3 ـ تقليد الآخرين :
الطفل في مرحلته الاولى قد يأتي والديه يوماً بحركة جديدة وتصرف غريب كلما يلتقي بأقرانه .. وحالة الطفل بهذا الشكل تثير غضب والديه متصورين الامر مرتبطاً بانعكاس أخلاق قرناء السوء .. والأمر ليس كذلك، بل هي حالة التوتر التي تدفعه لإكتساب هذا الخلق وذلك دون ان يتعلمه من والديه.
4 ـ إزدياد حالة الغضب :
للغضب نوبات حيث تزيد وتنقص في الطفل في سنواته الاولى حسب حالته النفسية ... فإن كان متوتراً ازدادت عنده وتفاقمت مما يثير ازعاج والديه.
أسباب التوتر :
يجدر بالآباء الوقاية من المرض، وذلك بمعرفة اسبابه وهي كالتالي :
1 ـ التعامل معه بحدّة :
إنّ نفسية الطفل في المنظور الاسلامي لاتختلف عن الكبير، ولذا يكون ما يزعجهم يزعجنا... فالأم حين يتعامل احد معها بحدة، كأن يطلب الزوج منها أن تفعل كذا، ويقولها بعصبية وقوة، بشكل طبيعي تصيبها حالة التوتر أضافة الى عدم الاستجابة للفعل .. والأب كذلك حين يطلب منه رئيسه في العمل انجاز امر بصرامة وعصبية .. وهكذا الطفل يصيبه التوتر حين تقوله الأم بحدة : إخلع ملابسك بسرعة ? لايعلو ضجيجك ? انته من الطعام بسرعة .. إلخ، اضافة الى العناد وعدم الطاعة.
2 ـ تعرضه للعقوبة القاسية :
إن استخدام الوالدين للعقوبة القاسية المؤذية للجسد او النفس، كالضرب او التحقير او التثبيط .. تؤدي الى توتر الطفل في المرحلة الاولى من عمره.. وقد نهى المربي الاسلامي عن امثال هذه العقوبة كما طالب الابوين بالتجاوز عن أخطاء ابنائهم.
قال رسول الرحمة (ص) : (رحم الله من أعان ولده على برّه، وهو ان يعفو عن سيئته) عدة الداعي : 61.
3 ـ شعوره بالغيرة :
إن الغيرة التي تصيب الطفل في السنوات السبع الاولى من عمره، وبسبب سوء التعامل معه تعدّ من الاسباب التي تجعل الطفل متوتراً .
4 ـ توجيه الانذارات إليه :
ان الطفل في مرحلته الاولى لا بدّ أن يكون سيداً كما نصت عليه التربية الاسلامية .. ومن مصاديق سيادته ان يكون البيت مهياً لحركته ولعبه... لأنّ تحذيرات الوالدين المتكررة للطفل في هذا العمر في عدم لمس هذه وعدم تحريك ذاك .. او الخوف عليه، فلا تتحرك هنا ولا تذهب هناك ... إن امثال هذه التحذيرات تجعل الطفل متوتراً.
واخيراً : وبمعرفة اسباب المرض يمكن للآباء الوقاية منه وتجنيب أبنائهم الاصابة به .. ليتمتع الطفل بالثقة التي تؤهله للنجاح في حياته .. كما يكون شجاعاً بإمكانه التغلب على مخاوفه .. ويرتاح الوالدان من بعض التصرفات السلبية التي تكون نتيجة لتوتر الطفل مثل ضعف الشخصية الذي يدفعه الى محاكاة افعال الآخرين .. إضافة الى ازدياد نوبات الغضب عنده .. كما إن عدم معالجة نفسية الطفل المتوتر، تعرضه للاصابة بعدة امراض وعادات سيئة، كالتأتأه، وقضم الاظافر، وتحريك الرمش، والسعال الناشف، وغيرها .
الغضب عند الطفل وعلاجه
إن الغضب من الغرائز الفطرية المادية التي تولد مع الانسان ويختلف تما