السريجة ضرب من القفف كانت تُصنع من الخوص أو القشّ، ولها شكل مستطيل، وهي مفتوحة من ناحية العرض، حتى إذا وضعت على ظهر الدابة وفُتحت أخذت شكل عدلين، عدل إلى الجانب الأيمن من الدابة وعدل آخر إلى الجانب الأيسر، وقد عُرف الواحدة منها باسم السريجة.ونظراً إلى المحافظة على مقاييسها فقد عُدّت وحدة حجم متعارف عليها، فيقولون سريجة بطاطا أو كوسا أو حتى سريجة رمل.وقد نشأ حي باب السريجة مع نشوء الضاحية الجنوبية الغربية لمدينة دمشق القديمة، وورد ذكر باب السريجة عند ابن طولون الصالحي في: القلائد الجوهرية، وفي: أعلام الورى، كما ذكره ابن شدّاد في الأعلاق الخطيرة.أما إطلاق الاسم على الحي فيعود إلى نشوء العلاقة بين فلاحي الغوطة الغربية «كالمزة وبستان الحجل ومنطقة الحلبوني والبرامكة..، وبين أصحاب محالّ هذا السوق. فقد كان الفلاحون ينقلون منتجات حقولهم من خضار وثمار وفواكه ومشتقات ألبان على دوابهم بتلك السرج ويعودون إلى حقولهم وقد ملؤوا سُرجهم بالدّبال ونفايات الدور للإفادة منها كسماد لحقولهم».وزاد في تقوية هذه العلاقة اعتماد أهل دمشق على منتجات الغوطة الغربية في جانب كبير من حاجاتهم الغذائية الأمر الذي زاد من أهمية سوق باب السريجة، ومن ثم وجد أصحاب المحال ضرورة إلى بناء دورهم على مقربة من السوق، فامتد السوق من باب الجابية نحو الغرب وظهرت على جانبه مناطق سكنية، منها محلّة البريدي وزقاق البركة والمغاربة، ومناطق أخرى حتى أصبح على ما هو عليه الآن.ولو عدنا بالذاكرة إلى مارواه الجيل الذي سبقنا في العقد الثالث من القرن العشرين، مما تبقى في ذاكرتهم من المشاهد التي عاشوها وعايشتهم قولاً وعملاً، لوجدنا في ذلك معيناً لا ينضب من الرؤى التي يمكن أن تكون رافداً رئيساً لما تركه لنا المؤرخون عن تاريخ مدينة دمشق.
ومن ذلك احتفال هذه المدينة في اليوم الثاني من عيد الفطر بيوم الزيت الذي كان يقدم من قرية كفرسوسة إلى الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة.ويجلب هذا الزيت مرة من كفرسوسة في ضروف «أوعية» من جلد الماعز أو نحوه، بعد أن يخالط الواحد منها من جميع جوانبه، إلا من فتحة الرقبة، لإملاء الزيت بالضرف، وتوضع تلك الضروف في صناديق من خشب، محمولة على ظهور الإبل المزركشة والمزدانة بالأجراس والخرز والشباشيل، وفي مقدمة تلك الجمال حملة المرافع والطبول وأهل كفرسوسة بالهتاف والترديد. ومنهم من يقوم باللعب بالسيف والترس في مهرجان شعبي يضم كل من ثاءب وجوده في طريق هذا الموكب، فإذا وصل الموكب إلى سوق باب السريجة، يكون في مقدمته الصنجق الأخضر بشراشيب حمراء داكنة مزدانة بالكتابات، وخلف ذلك الصنجق يكون حملة المرافع والطبول وجماهير غفيرة من الناس وهم يقومون بالهتاف والترديد وألعاب السيف والترس والحكم بالتروس الجلدية، وقد امتلأت مداخل الحارات المؤدية إلى سوق باب السريجة بالمتفرجين، وعلت الأسطحة أعداد لا تحصى من الناس للغاية نفسها.
فإذا وصل الموكب إلى باب الجابية، فإنه يتجه إلى المشيرية «السراي» ومن ثم إلى المركز المخصوص بأدوات وعوائد موكب محمل الحج الشامي إلى بيت الله الحرام.