طُرح مرةً في أحد الاجتماعات في إحدى المدارس السؤالُ التالي:
أيُّ العناصر أكثر أهميةً في العملية التعليمية: المدير، المعلم، الموجِّه، المنهج، الطالب، أم ولي الأمر؟
رأيٌ رأى أنه المدير؛ لأنه هو من يسير ويدير الجميع، وبه وبجهوده تقوم المدرسة.
ورأي رأى أنه المنهج؛ لأن المنهج القوي كفيل بتخريج طلبة أقوياء في المادة العلمية.
وهناك من رأى أنه الطالب؛ لأنه دون رغبته في التعلم ودون أن يكون له أهداف، فإنه لا فائدة ترجى، وإن جهد المدير والمعلم والجميع ضائع.
وابتعدت آراء المعلمات في ذلك الاجتماع عن المعلم، ولسان حالهن يخلي مسؤوليتهن، وأن المعلم هو ضحية المدير والمنهج وولي الأمر والطالب.
وكان لي رأيٌ يخالف كل هذه الآراء، وأصرُّ عليه؛ لأنَّ المعلم هو الأهم في العملية التعليمية.
فالمعلم الجيد قوله إخلاص، وعمله إخلاص، وابتساماته إخلاص، تشجيعه إخلاص، وحتى عقابه إخلاص، لا ينتظر مديرًا يديره، ولا يعمل من أجل درجة يرصدها له موجِّهُه.
يفهم ويدرك أنَّ بين يديه أعزَّ ما يملك الآباء والأمهات والأسر والمجتمع: أبناؤهم.
ويفهم أنه وحده الذي يبني وينشئ أنفسًا وعقولاً، ويفهم أن مسؤوليته وأمانته عظيمة، فهو إما بانٍ أو هادمٌ.
وأرى أنه المعلم، هو الفنان الماهر، الذي سيعالج ضعفَ المناهج أو قصورها - إن وجد ذلك - بأنشطة إضافية، وأوراق عمل إثرائية، وأبحاث ودراسات،
ويضفي على كل ذلك أجواء من النشاط والتنافس بين الطلاب، والتحليل والنقد، والمقارنة والتصنيف واللعب.
فهل بعد ذلك وغيره لا تذلل الصعوبات، ولا تحل عقد المناهج؟!
ويساعد المعلمَ جدًّا في دعم المناهج اطلاعُه على مناهج دول أخرى عربية وأجنبية، وقراءاته في كتب أساليب التربية والتعليم قديمها وحديثها.
وهو المعلم الذي سيعزف على أوتار عقول وقلوب الطلاب ألحانًا ترققهم أحيانًا، وتحمِّسهم أحيانًا أخرى، فيذكرهم دائمًا بأجر المتعلِّمين والعلماء، ويستثير هممهم بالتعلم حبًّا في الله ورسوله وحبًّا في الإسلام، ويروي لهم حكايات من السلف، فيكتشفون من خلالها شغف ذلك الجيل بالعلم وما بذلوه في سبيله، وكيف أنَّ آثارهم من كتب وعلوم ما زالت باقية، ويقترب بهم إلى زمنهم، فيزوِّدهم بروايات أخرى لعلماء من عصرنا، وما صنعوا لينهضوا بأمة الإسلام.
وعليه أن يربطهم بالكرة الأرضية وما فيها من مشاكل، وأن مسؤوليتهم كطلاب - لخدمة المسلمين ورفع الضيم عنهم - أن يتعلموا ويتعلموا ويتعلموا.
ومن شأن كل ما سبق مجتمعًا أن يزيد رغبة الطلاب في التعلُّم، ويجعلهم أصحاب أهداف وحمَلَة رسالة.
فما بالنا بالمعلمين والمعلمات الذين يدخلون الدرس متأخرين؟! إنها أمانة!
وما بالنا بالمعلمين والمعلمات الذين يغيبون لمصالح شخصية؟! إنها أمانة!
وما بالنا بالمعلمين والمعلمات الذين يُنهون الدرس في نصف الوقت ثم يجلسون يتأملون الطلاب وهم يتحدثون ويلعبون؟! إنها أمانة!
وما بالنا بالمعلمين والمعلمات الذين يطلبون من الطلاب الغياب قبل نهاية الفصل الدراسي بأكثر من أسبوع؟! إنها أمانة!
وما بالنا بالمعلمين والمعلمات الذين يعانون ضعفًا في قدراتهم وكفاءاتهم العلمية، ويخطئون حتى في همزة أو تاء مربوطة؟! إنها أمانة!
وما بالنا وهم يظلمون ويقهرون الطلاب بضرب، أو بكلمة ساخرة، أو نظرة جارحة محقرة؟! إنها أمانة!
وما بالنا بالمعلمات (خاصة) وهن يرتدين ما لا يليق بهن كمربيات وقدوات؟! إنها أمانة!
وما بالنا بهم عندما لا يعدلون؟! إنه أمانة!
أيها المعلمون، أيتها المعلمات:
كل فصل وجيل تتحملون مسؤوليته هو قبيلة بأكملها، فكم قبيلةً أصلحتم ونفعتم؟ أو كم قبيلة دمَّرتم وهدمتم؟
بقي أن أشير إلى عيب وخلل في بعض عقليات من يعملون في المدارس الأهلية، فسمعت من يقول: إننا نعمل بقدر الراتب الذي نأخذه، ولن نشتغل بأكثر منه!
وأقول: ذاك موضوع آخر؛ لأنه في أي مهنة مطلوب منك شرعًا أن تكون أمينًا وتتقن عملك، إن لم يعجبك الراتب اترك المجال لمن يفهم معنى أن يكون معلِّمًا.
ومن النهاية أبدأ لأقول: مفاتيح النصر بيد المعلم.