الحريّة .. ؟؟
كلمة الحرية ترتبط في أذهان البشر بمعان كثيرة طبقا للمجال الذي يتحدثون
عنه. وفي مجال الثقافة الروحية الحرية في معنى من معانيها تشير إلى وعي
الإنسان بجوهر الروحي والتخلص من الزيف الذي يكبل حريته ويقوده إلى إهدار
طاقاته ومشاعره وتفكيره من أجل أهداف وهمية تحجب إحساسه بمعنى أكبر وأعمق
للحياة. ونحن نؤمن بأن الحرية الروحية تعني العبودية لله وحده لكن هذا هدف
ثمين نسعى له ولذلك نعمل على أن نخطو خطوات واقعية لتحقيقه.
من هذا المنطلق ومن خلال تجربة عمليه عن الحرية وضعت من خلالها ألأهداف كما يلي:
1. اكتشاف معنى الحرية من خلال التجربة الشخصية
2. التعرف على المحددات التي تمنعنا من الانطلاق روحيا
3. روي الطاقة الداخلية التي نحتاج إليها من أجل الانطلاق الروحي
وكانت النقاط التي تم التوصل اليها هي:
الخوف: ما هي أكثر الأشياء التي كنت تخاف منها؟ و كيف تعاملت مع هذا
الخوف؟ وهل هناك أشياء أخرى تشعر أنها تخيفك؟ وهل تجد السبيل للتغلب
عليها؟ هل أنت في طريقك للتغلب على الخوف؟
الحياة اليومية: قد نتفق جميعا على أن الهدف من الحياة هو أن نكون عبادا
لله كيف أمكنك أن تربط بين أعبائك اليومية وبين هذا الهدف الكلي؟
هل لديك أحلاما وآمالا تريد أن تحققها؟ كيف يمكن أو لا يمكن أن تتوافق أحلامك مع الهدف الكلي؟
هل تتعارض أحلامنا مع الحرية الروحية؟ إذا كانت اجابتك لا اشرح لماذا واذا كانت اجابتك نعم اشرح أيضا لماذا؟
هل تشعر أنك متمكن من تحقيق ما تريد؟ أم أن كل يوم يحمل لك مفاجآت لا
تجعلك قادرا على تحقيق هذا الحلم. كيف تتعامل مع الاحباطات المتوالية؟
المشاعر الانسانية والحرية: كيف أمكنك (أو لم يمكنك أن تجد تناغما مع حبك
لزوجك وأولادك وأصدقاءك) وبين الخلوص لله؟ ما هو الفرق بين الحب والتعلق؟
ما هي دلالات التعلق؟ وما هي دلالات الحب؟
القيود: ما هو تعريفك للقيود؟ كيف تفك تلك القيود؟
المشاعر السلبية: الغضب.. كيف تتعامل معه؟ اليأس.. كيف تواجهه؟ الاعتزاز بالنفس أو عدم الثقة بالنفس كيف تتعامل معها؟
أرجو أن يكون واضحا أننا يجب أن نواجه أنفسنا بصدق وننطلق من واقعنا لا أن
نتعامل من خلال المفروض أو ما ينبغي أن يكون. كل منا في هذا الحوار حاول
أن يفيد الآخرين من تجربته ولم يكن المقصود هو كشف المستور بل الاستفادة
من تجاربنا ليكون كل منا عضدا لأخيه.
بعض من النتائج:
توصلنا في البداية إلي أن ما يحرمنا من الحرية الداخلية التي نتطلع إليها
يرجع إلى اختلال في الميزان ومن أمثلة هذا الاختلال الاستخدام الخطأ للحب
والإسراف فيه , مما يحوله إلي قيد برغم أنه في الأصل قيمة معنوية كبيرة .
وهذا جعلنا ندرك إلي أي درجة تمنعنا هذه القيود من التواصل مع الله وهذا
هو السبب الرئيسي للخوف. ووجدنا أن الخوف يعبر عن نفسه في أشياء متعددة:
الخوف من فراق الأحبة بالموت
الخوف من المرض يساور كثيرا منا
الخوف من عدم الانجاز والتقصير في العمل وعدم الوصول إلي المثالية,.
الخوف من ألا نكون عند حسن ظن الآخرين
الخوف من التعرض لإنسان قاس القلب لا يعرف الرحمة
توصلنا ونحن نناقش نتائج هذا الموضوع إلى أن سعي الإنسان للحرية يجعله
ينظر للأمور بصورة لا يسجنها الخوف وإنما تتحول مشاعره تجاه ما كان يسبب
له الخوف إلى مشاعر جميلة وخلاقة في نفس الوقت. فمن الطبيعي أن يتأثر
الإنسان حزنا لفراق الأحبة بالموت. لكن بالوعي الروحي يتحرر من هذا الخوف
إذا ما أيقن أن الموت فراق مادي أما العلاقة الحقيقية فلا موت لها أبدا.
إنه نفس الوعي الذي يحمي الإنسان من سجن الخوف من المرض ويجعله يتمتع بما
لدية من صحة مع حمد الله عليها وعدم التفكير فيما يمكن أن يحدث في
المستقبل. ووجدنا أن التواصل مع جوهرنا الروحي يحررنا من الخوف من التقصير
في العمل ويحررنا من الانشغال بما نسميه مثالية ويجعلنا نركز في بذل أقصي
جهد في العمل بصدق واستقامة دون وضع صورة لنتيجة العمل الذي نقوم به. أما
التحرر من الخوف من ألا نكون عند حسن ظن الآخرين فيكون بالصدق مع النفس
وعدم السماح لتقييم الآخرين بالسيطرة على تفكيرنا . والتحرر هنا هو
الاستماع إلي الصوت الداخلي أي تنمية الجانب الحقي عن طريق الحوار مع
الأنا. أما التحرر من الخوف من التعرض لإنسان لا يعرف الرحمة فيتحقق
بيقيننا بأنه ليس بيد أي أحد أن يؤذينا وأن كل ما يمكن أن يمر علينا يحمل
لنا رسالة من الله إذا ما صدقنا في قراءتها وجدنا يد الرحمة تحفظنا من كل
شيء مهما بدا أنه سوء ظاهري لكنه لا يجعلنا في حال من الذل والهوان أبدا.
توصلنا أيضا إلى أن اليأس يعتبر قيدا آخرا على حرية الإنسان ومن أهم
أسبابه التمسك بنتيجة محددة أو مقارنة أنفسنا بالآخرين مما يؤدي إلي فقدان
الثقة بالنفس . وفي هذه الحالة علينا أن نقيم الحوار مع أنفسنا لاكتشاف
قدراتنا وحدود إمكانياتنا مع إيجاد صلة بين كل عمل نعمله والمعني الذي
يحمله مهما كان هذا العمل بسيط .
ذكرنا قيودا كثيرة أخري مثل الغضب والندم والإحساس بالذنب ولكن هناك قيد
تعجبنا من أمكانية وصفة كذلك وهو أن يحلم الإنسان . الحلم شيء جميل ولكنه
أحيانا يتحول إلي سجن مثلما نحّد أنفسنا في حلم واحد ثم نفشل في تحقيقه
فيصيبنا الإحباط , أو عندما نحلم بما ليس في وسعنا تحقيقه كمحاولة تغيير
شخص نحبه . فهنا يجب أن نفهم أننا لا نملك لأحد شيئا ولكننا نستطيع أن
نقدم له النصيحة بدون فرضها عليه مع عدم الارتباط بالنتيجة . وبصفة عامة
ما توصلنا إليه فيما يمكن أن يساعدنا في تحقيق الأحلام هو ضرورة الارتباط
بالهدف الكبير واحتساب ما نتعرض له من صعوبات عند الله , وأيضا طلب العون
وعدم الانغماس في المشاكل اليومية لأنها تسحب تفكيرنا وعقلنا وتوقف
قدراتنا .
كثيرون منا اعتبروا الحب أهم شيء في الوجود كله لأنه طاقة خير توصلنا
بسرعة جدا إلي الهدف الكلي وهذه الطاقة فيها تضحية وعطاء ومحبة الخير لكل
شيء في الوجود ولكل الكائنات . وفي هذه الحالة يكون الحب هو الحرية . ولكن
من الأهمية ألا نخلط بين الحب والتعلق , لأن التعلق يهدمنا قبل أن يهدم
الآخرين , وهو ضعف ويحد الحرية . وللتخلص من كل هذه القيود نحتاج إلي
تنمية وعينا لتوسيع مداركنا وعدم سجن أنفسنا في حاجة واحدة كما علينا أن
نتعرض لتجارب الآخرين .
وفي النهاية نستطيع أن نلخص الحرية كما توصلنا إليها علي أنها العمل وكما
نعلم فالعمل عبادة والعبادة حرية . الحرية هي أيضا الحب والمعرفة والوصلة
التي تأتي بالصدق مع النفس وتنمية الحياة داخل الإنسان , وأخيرا هي
التسليم فلو سلمنا أمرنا لله لن نجد شيئا نخاف منه.