الإسلام يشجعها "بِراً" والبعض يفعلها مجبراً
ما رأيك بثقافة تقبيل الأيادي؟
عادة تقبيل الأيدي واردة في السنة النبوية
يحكى أن ملكاً من ملوك الشرق كان مصاباً بمرض الإكزيما _ التهاب الطبقات السطحية من الجلد_ وكان هذا الملك يحك يديه على الدوام, وعندما عجز أطباء القصر عن إيجاد حل لهذا المرض أو ربط يديه ليتوقف عن الحك, أحضروا مجموعة كبيرة من المهرجين والمصلحين وأمروهم بتقبيل يدي الملك دون توقف وبالدور, وبذلك لا يبقى له وقتا ليحك يديه.
ويقال إن المهرجين استمروا في تقبيل يد الملك حتى المساء, فاعتاد الأخير على هذا الأمر, وأصدر فرماناً ملكياً خاصاً بأن كل من يقبل يد الملك يفوز بليرة ذهبية خالصة, لذلك هرع الناس والعاملون في القصر الملكي عند سماع هذا الخبر واصطفوا "طوابير" أمام باب الملك ليأخذ كل منهم دوره في "التقبيل".
وفي هذه الأثناء كانت الإكزيما قد زادت شدتها في يد الملك, ومع هذا كان يجد لذة عارمة في كل قبلة على يديه من الآخرين, وبقيت هذه العادة _أي تقبيل يده_ من قبل أعوانه وعبيده ملازمة له حتى وفاته.
وعلى الرغم من وفاة الملك, استمرت عادة تقبيل الأيادي التي كانت قد بدأت "حياتها", فأمر الملوك من بعده عبيدهم وأعوانهم تقبيل أيديهم, وتطورت العادة وانتشرت بكثرة في المجتمعات العربية, حتى أصبح من لا يفعلها خارجاً عن العادة والتقليد.
يقول الكاتب :
"فلسطين" استطلعت آراء عدد من المواطنين تسألهم عن موافقتهم أو رفضهم لتقبيل "اليد"، فهل يعتبرونها "ذل" أو "احترام".. تابع معنا التقرير التالي لتعرف الإجابة..
مع أو ضد!!
اختلفت آراء حول هذه العادة بشكل كبير, حسام عبيد 23 عاماً من دير البلح اعتبرها إذلالاً شديداً يجبر عليه خاصة في المناسبات والأعياد الدينية, ويقول:" منذ أن كنت صغيراً كان والديّ يقولان أن عليّ تقبيل يد جدي بصفته كبير العائلة وجدتي وعماتي الكبيرات وخالاتي وأخوالي عند الذهاب إلى زيارتهم, ولم أكن ألقي بالاً لهذه العادة في الصغر, ولكنهما حتى الآن يريدان مني الاستمرار في هذه العادة".
ويتابع:" كبرت الآن ولم أعد أقبل على نفسي أن أُقبل يد كل كبير في العائلة, فيكفيني تقبيل يد أمي وأبي وجدي وجدتي, وأنا إن فعلت هذا فمن باب الاحترام, مع أني لا أكون سعيداً بهذا الفعل أبداً, أما تقبيل من سواهما فهذا أمر غير مقبول أبداً, والاحترام في القلب وليس بتقبيل الأيادي".
وإن كان حسام مجبراً على هذه العادة ويفعلها ليتجنب الألسنة الناقدة له، ناقضته سهى السرحي من مدينة غزة والتي ترى أن عادة تقبيل الأيدي انعكاساً لمدى الاحترام والتقدير والحب والبر الذي تشعر به تجاه من تقبل يده, سواء كان والديها أو جديها, أو حتى حماتها وحماها.
وتقول:" جميع من حولي من كبار السن يشعر بالسعادة إذا قبلت يده, وبالذات حماتي التي ترضى عني إذا ما أظهرت احترامي بهذه الطريقة, وبرضاها أنال رضا زوجي, وأنا لا أريد أكثر من هذا", مشيرة إلى أنه لا داع لأن يشعر المرء بأنه يذل نفسه عند تقبيل الأيدي, فالعملية كلها لا تستغرق بضع ثوانٍ من حياة الإنسان, كما أنها عادة اعتدنا عليها منذ الصغر ولا ضرر منها.
ووجهة النظر السابقة "بالمناسبة" لم تعجب سالي أبو حسين البتة, فهي وعلى حد قولها لم تكن تتوقع يوماً أن يطلب منها زوجها تقبيل يد أمه وأبيه مع كل صباح, وهو الشيء الذي لم تتعود عليه أبداً عند أهلها الذين لم تكن تقبل أيديهم إلا في الأعياد والمناسبات السارة.
رفض سالي لأوامر زوجها جعلها تعيش أياماً وأسابيع من المشاكل التي عكرت عليها صفو حياتها الزوجية والتي كانت لا تزال في بداياتها, فمع إصرار زوجها على موقفه وتصميمها هي على رفضها, أرسلها زوجها إلى بيت أهلها, ليؤكد لها أن أهله لهم الأولوية والاحترام في حياته ورفضها تقبيل أيديهم دليل على عدم الاحترام.
ولم يحل المشكلة التي وقعت بها سالي في بداية حياتها إلا موقف حماتها التي أقنعت ابنها أنه لا داعي لكل هذه المشاكل, من أجل قبلة على اليد ترفض زوجته وضعها, ومع أن كلمات الأم أصلحت المشكلة إلا أن شيئاً من الحرج وعدم التقبل لا يزال موجوداً بين الحماة والكنة بسبب هذا الموقف.
تحايل عليها
وفي ظل رفض الكثير من الأشخاص لهذه العادة, نرى أن البعض يتحايل عليها في حال كان غير قادر على إعلان رفضه, ومن هؤلاء زايد الديب38 عاماً, الذي قال لـ"فلسطين":" أعلنت رفضي لهذه العادة منذ فترة طويلة, ولكن ظل هذا الإعلان داخلياً لم يعرف به أحد, فقررت التحايل عليها بتقبيل الرأس والوجنتين".
وأوضح أنه في هذه الأيام أصبحت الأعياد موعداً للسباق والتنافس في "التقبيل"، فمعظم أفراد العائلة يصطفون صبحية العيد في انتظار تقبيل يدي والديهم، ولا تُقبل التهنئة دون هذا التقبيل عند البعض منهم.
وأضاف:" ولا أخفي عليكم أني أتحايل على والدي عند تهنئتهم بالعيد, وأفضل تقبيل رؤوسهم على تقبيل أيديهم وأحياناً أسارع إلى تهنئة والدي بالمسجد بعد الصلاة مباشرة كي لا أضطر لتقبيل يده في البيت أمام إخوتي، وهناك أكثر من وسيلة للتعبير عن احترامنا وتقديرنا لوالدينا غير هذه العادة هذا رأي الشخصي الذي قد لا يروق للكثيرين".
عادة مستحبة
ومن الناحية الدينية, أوضح د.ماهر السوسي أستاذ الفقه المقارن بالجامعة الإسلامية أن عادة تقبيل الأيدي واردة في السنة وذلك بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل يد الرسول صلي الله عليه وسلم, وورد أن يهودياً حَضر الرسول وقبل يده.
عمر بن الخطاب قبل يد الرسول، ورد في الآثار أن بعض الصحابة كانوا يقبلون أيدي البعض ولكن ما أجمع عليه أهل العلم أن تقبيل الأيدي جائز لأصحاب الفضل من العلماء والصالحين والعباد وهذا ما ورد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
د.السوسي
وأوضح أنه ورد في الآثار أن بعض الصحابة كانوا يقبلون أيدي بعض, ولكن ما أجمع عليه أهل العلم أن تقبيل الأيدي جائز لأصحاب الفضل من العلماء والصالحين والعباد, وهذا ما ورد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبين أن الأمر بقى محصوراً أيام الرسول والصحابة في أهل الفضل والعلماء, مشيراً إلى أن تقبيل الصحابة لأيدي الرسول أمر لا يوجب هذه العادة, وإنما هي عادة من باب الاحترام والتقدير لهذه الشخصية.
وقال:" أما بالنسبة لما يدور بين الناس من تقبيل يد الأم والأب والأجداد فهذا أقره العرف, واتفق الناس عليه من باب الاحترام والتقدير والتبجيل, وهذا أمر شرعاً مقبول ولا يتعارض معه, فالشرع يأمر بالاحترام وأوصى بالوالدين وكبار السن وبوصل الرحم خيراً.
واعتبر أنه إذا كان المقصود من التقبيل الأيدي هو تأصيل الاحترام وترسيخه في نفوس الناس هو أمر لا بأس به, وإن كان المراد بالتقبيل من أجل التقبيل أو إذا كان بدون معني أو هدف فلا حاجة له.
وحول رفض البعض لهذه العادة, أكد السوسي أن تقبيل أيدي كبار السن ليس ذلاً وإنما احترام, منوهاً إلى أن هذا الاعتقاد من المفاهيم الخاطئة, فمتى كان احترام الوالدين والأجداد والبر بكبار السن ذلاً؟!
وأوضح أن هذه العادة غالباً ما تبرز في الأعياد التي يجتمع فيها الناس, وهذا إن دل على شيء, فإنه يدل على أن هذه العادة تؤثر إيجاباً في نفوس الناس, فالأعياد من المواسم التي تقتضي بر الناس واحترامهم والتقرب إليهم, وبالتالي فإن كان التقبيل من هذا الباب فهذا أمر مستحب ولا يتناقض مع قواعد الشرع.
