ولاية بدبد .. عنوان للتراث والطبيعة الساحرة

إعداد : مبارك بن عبدالله العامري *

بدبد الولاية التي خط لها التاريخ والتراث عنوانا لطبيعتها التي تبرز عبر وديانها وعيونها وأفلاجها الخصبة وقلاعها وحصونها وعبر مزارعها التي تشكل مختلف المنتوجات الزراعية .
بدبد بوابة الداخلية وهمزة الوصل بين مناطق الشرقية والظاهرة ومحافظة ظفار والوسطى ، هذه الواحة الخضراء تدعوك أيها الزائر عبر قرائها لتقرأ عن طبيعتها الذي منحها الخالق سبحانه وتعالى كنزا من كنوز الطبيعة التي تتنوع عبر سهولها ووديانها الخصبة وعيونها التي تتدفق عبر جداول لتسقي مزورعاتها ... الحصون والأبراج تشكل رمزاً من رموز الآثار والتراث فتقرأ في هذه القلاع والحصون والأبراج تاريخ أبنائها لسنوات عديدة ينطق التاريخ من هذه القلاع ... جبال شاهقة ذات أشكال مختلفة وألوان متعددة ... جسرها الذي يكشف للسائح من خلاله عن طبيعة الولاية فيجعله في شوق وحب لزيارتها وتمتع بطبيعتها التي تشد السائح إليها .

موقعها
تبعد الولاية عن محافظة مسقط مسافة 70 كم على وجه التقريب وتجاورها ولاية سمائل من جهة الجنوب وولاية دماء والطائيين من جهة الشرق ومحافظة مسقط من جهة الشمال ، بينما تحاذيها سلاسل جبال الحجر .

شعارها
بدبد ولاية عمانية عرفت الجسور وقد اخترتها كشعار لها ... والجسور في بدبد ليست للعبور فقط كما يعتقد البعض وإنما هي أيضا لتصريف المياه حيث إن الضواحي واقعة تحت مندرج جبلي وبين ضفتي وادي واستطاع العمانيون أن يصرفوا الماء إلى أبعد الضواحي بطريقة السواقي المعلقة وذلك بإقامة الجسور ونحت السواقي عليها .

القلاع والحصون

بدبد ينطق التاريخ من أبراجها وحصونها التي تعلو عبر الجبال الشاهقة التي تعبر عن صمود أبنائها في تصميم هذه الأبراج والحصون والقلاع عبر الجبال الصامتة ويقدر عدد الأبراج في مختلف أنحاء الولاية بحوالي 40 برجا أشهرها أبراج فنجا ذات الطراز المعماري الفريد وأبراج نفعا التي تطل على القرية الجميلة وأبراج المناثيرة وفي بلدة العمقات يوجد برجان ، ومن أبرز الحصون في ولاية بدبد حصن بدبد الذي يبلغ طوله 30 مترا ، ويضم برجين في الركنين الغربيين ، وحصن حميم وقلعة نقصي .

سوق فنجا

سوق فنجا ذلك السوق الذي يتخذ من بدبد موقعا مهما لكل المسافرين إلى مناطق الداخلية والشرقية والظاهرة والوسطى ومحافظة ظفار يتوقف هنا المسافر عبر هذا السوق ليمعن عبر هذا السوق بين مختلف المنتوجات ففي سوق فنجا تجد العديد من الصناعات التقليدية لها دور مميز خاصة ما يعرض في هذا السوق لكي يأخذ المسافر احتياجاته وهو متوجه إلى منزله ويعم السوق بحركة دائمة طوال أيام الأسبوع فهذا السوق دار المسافر عبر هذه الولاية أو المقيم فيها السوق يفتح لك وأنت تمر عبر هذا السوق أن تتوقف لحظة لتتمعن نفسك عما يتميز به هذا السوق من مختلف المنتوجات والصناعات التقليدية .

الحرف والفنون
تعد الحرف التقليدية مجالا واسعا وجد فيها الإنسان العماني فرصة للتعبير عن إبداعاته المتعددة وأفكاره وتنتشر الحرف التقليدية وتتنوع في الولايات نظرا لما تتمتع به الأرض العمانية من ثروات طبيعية متعددة أخذ الإنسان يسخرها وأهم ما تشتهر به الولاية في هذا الجانب صناعة الفخاريات التي تلقى إقبالا كبيرا لشرائها من المواطنين من الولاية والولايات المجاورة حيث توجد بالولاية العديد من المصانع يتم فيها إنتاج أدوات تستخدم إلى يومنا هذا مثل المجمر والجحلة ودلة القهوة والخرس ، ومن أبرز صناعتها التقليدية صناعة مفارش الجلوس وتسمى ( الحصر ) ، من أوراق نباتات الرسل التي تنمو في الأودية حيث يتم تقطيعها وتجفيفها ، ثم تنسج أوراقها الخيطية الدقيقة بعضها البعض ، وهي صناعة تشبه النسيج وتبقى ( الحصر ) محافظة على تماسكها سنوات طويلة حيث لا تتأثر بالحرارة أو الرطوبة .

ويأتي جبل حميم بولاية بدبد ضمن سلاسل جبال الحجر الغربي المتصل بالجبل الأخضر الذي تتنوع فيه الحياة الجبلية ويزخر بالعديد من الأشجار والنباتات وفي مقدمة هذه الأشجار شجرة الزعتر ( السعتر ) وكذلك البوت والتين وغيرها بالإضافة إلى أشجار ونباتات الجبل المتنوعة والظليلة المترامية التي يضمها في جنبات هذا الجبل الشاهق ، شجرة الزعتر تختلف عن بقية أشجار الجبل من حيث رائحتها وشكلها وعندما تكون بالقرب منها فتسعدك بهذه الرائحة الجميلة الزكية وهي شجرة كثيفة الأغصان والأوراق بعضها يصل إلى ثلاثة أمتار في طولها وتقدر مساحتها في افتراشها للأرض بمترين وتنبت بين المنحدرات وسهول الجبال لا تقاوم الحرارة وتقاوم قلة الأمطار بحيث أوراقها رقيقة وتتغذى على قطرات الندى ويساعدها على النمو الجو والطقس البارد ، أما الفنون التقليدية التي تشتهر بها بدبد الرزحة والعازي والميدان وغيرها .

من أعلام بدبد

برز الكثير من الفقهاء الدين من بدبد في الفقه والنحو والبلاغة والكثير منهم ولي القضاء ولهم مؤلفات عديدة في فنون العلم المختلفة منهم الشيخ حمد بن زهير بن حمد الفارسي , من قرض الشعر في القرن الرابع عشر الهجري ,
وكان فقيها وأديبا , والشيخ سيف بن محمد بن سليمان الفارسي , قرض الشعر في القرن الرابع عشر الهجري , والفقيه زهير بن فارس الفارسي والعالم سالم بن فريش الشامسي والعالم سيف بن أحمد السبتي والشيخ علي بن محمد بن ناصر بن سليمان الفارسي ولد ببلد فنجا في القرن الثالث عشر من الهجرة وتوفي عام 1322 وكان عالما بالنحو واللغة العربية له أشعار كثيرة في الغزل والمديح والرثاء والشيخ الفقيه القاضي عبدالله بن أحمد بن سالم بن فريش الشامسي ولد ببلد فنجا أخذ العلم أولا عن جده الشيخ العالم سالم بن فريش ثم رحل إلى نزوى ودرس هناك ثم لازم الشيخ العلامة حمد بن عبيد السليمي لما كان مدرسا بمسجد الخور بمسقط وبعد ذلك تقلد القضاء في عدة ولايات له أشعار كثيرة وممن نظم الشعر الشيخ الفقيه عيسى بن سالم بن فريش بن سعيد الشامسي ولد ببلد فنجا في العام الرابع عشر من الهجرة ودرس في العلوم العربية والفقهية عند والده الشيخ العالم القاضي سالم بن فريش وغيرهم العديد من الفقهاء والشعراء .


فنجا

والزائر لهذه الولاية الساحرة بتاريخها الخالد وجمالها الفاتن الذي يسر الناظرين تلك الأشجار المتكاثفة بعضها ببعض لابد من فنجا ذات التواشيح والرموز والشواهد التي تفترشها سفوح الجبال منقسمة إلى ضفتين يفصلها وادي خصب ويربطهما جسر عملاق ... فنجا ضاحية بدبد الخضراء يعرفها الجميع بمثابة همزة الوصل بين مناطق الظاهرة والشرقية والداخلية ومحافظة ظفار ومحافظة مسقط والباطنة والوسطى ... من بعيد تبدو فنجا كحديقة معلقة وسجادة خضراء تفترش السفوح ..كل شيء يستقبلك بفنجا بالحب والترحاب جمال خضرتها يستقبلك بأبهى حلل الخضرة الوافرة والطبيعة الساحرة نخيلها توشي إليك السفح المتدرج تبدو كخصلات خضراء والأرض مرايا عاكسة بأبهى مزيج مزارعها الشاحنة بين رياضها اللون الخضري من أنواع ومختلف الأشجار والفواكه .
مزاراتها السياحية تدفعك لزيارتها ..سفح أخضر وجنائن مزارعها وحمامات ساخنة متفجرة من قمم جبل الحمري ... السفح الأخضر لوحة تصادف العين من بعيد .. ضواحي النخيل والليمون طبيعة أخرى من طبيعة فنجا وبها العديد من العيون والحمامات الساخنة التي تتفجر من قمم جبل الحمري .

الأفلاج والعيون
تزخر ولاية بدبد بعيون وأفلاج تنبع عبر الجبال مشكلة سيمفونية رائعة الجمال من تدفق عيوانها وأفلاجها عبر مزارعها التي تشكل العديد من المنتوجات الزراعية التي تزخر بها الولاية في الولاية ومن أفلاجها الرحى ، ومن معالمها السياحية عين قعيد وفي فنجا عين الخلود وفلج الفوقاني وفي نفعا فلج الحصين وفلج سعال بقرية سعال وفلج السخنة والعديد من الأفلاج بالولاية .
اما الحمامات الساخنة فهي مياه حارة تتفجر من قمم جبل الحمري وقد صنعت لها جداول تنسكب في البرك بقوة كما تصب فيها العيون الصغيرة مشكلة جداول ملتوية تنحدر بسهولة على تلك الضواحي ... حمامات ساخنة أحدهما في الجانب الغربي والآخر في الجانب الشرقي ثابتان لا يتأثران بارتفاع أو انخفاض درجة حرارة الطقس ، ومناطق أخرى سياحية في كل من نقصي وهندروت ، ويشكل الوادي الذي يقسمها إلى ضفتين مزارا يغذي بالاستراحة عند ضفافه خاصة في مواسم المطر فعند جريان الوادي تقبل الأسر على افتراش المكان للاستمتاع بالماء المنساب ، فيما حدائق النخيل تزخرف حواف الصخور والهضاب ، وكذلك وادي سعال الذي يعد أحد الروافد المائية لولاية بدبد حيث يشتهر بالعيون التي تنبع من الصخور ... وعندما تتجول ببدبد داخل قراها الرابضة بين الجبال بلفيف أشجارها وبهدوئها وسكينتها تكشف العديد من الأشياء التي تتميز بها بدبد والتي تبقى من خصوصياتها ... لا يكفيك أيها السائح أن تقضي نهارا واحدا داخل بدبد لتشبع ذكراتك بمشاهد لم تألفها من قبل هذه بدبد حاضرة الزمن العماني وحضارة الأمس السالف .

* كاتب عماني
المراجع : مسيرة الخير