حياة الأسطورة زرادشت ... رحلة الشقاء من أجل المعرفه ....

زرادشت .. رحلة الشقاء من اجل المعرفة



حياته
ولد الطفل زارافوشترا في عام 660 ق.م. ابوه بوروزهازيو من قبيلة ميدية اسمها اسبيمان من ازربيجان وامه من مدينة راكس (الري) واسمها دوغدوما وزعموا بان لهمـ انبياء وملوكا اولهم كيومرت
عندما كانت امه حاملا به في شهرها الخامس رأت مناما بان سحابة سوداء احاطت بها وان مخلوقات بشعة هبطت عليها من السحابة فانتزعت الطفل من رحمها وهمت بالقضاء عليه فصرخت الام ولم يلبث ان هبط من السماء شعاع نور مزق السحابة اربا فاختفت الكائنات البشعة ثم انبثق من النور طيف شاب بشع من نور متلالئ اعاد الطفل الى بطنها وقال لها

(هذا الطفل عندما يكبر سيصبح نبي اهورامزدا)


لم يبك مثل سائر الاطفال وانما قهقة بصوت عال اهتزت له اركان البيت وعندما ولد تكهن احد الكهنة كبير سحرة الميديين (اسلاف الكورد الحاليين)وكان اسمه دورانسرون ونائب الملك في المقاطعة
ارتعد عندما عرف بولادته وتنبأ بانه عندما يكبر سيقضي على السحر وعلى عبادة الاصنام ويطرد السحرة والكهنة من البلاد لذا ارسل هذا الكاهن ثلاثة من سحرته لاحضار زارا اليه في المعبد وقام باعداد النار على المذبح ليضع الطفل في وسطه وانطلق مع سحرته خارج المعبد
ولكن القدر.. عندما رجعت امـ الطفل الى البيت ولمـ تجد ولدها انطلقت الى المعبد لتصلي وتدعو الالهة ان ترده اليها فوجدته يلعب بابتهاج وسط اللهب.. فتاكد كبير السحرة (دور انسرون) بان زارا ليس طفلا عاديا وحاول مرة اخرى باحضار الطفل اليه ليضعه وسط الطريق العام حيث يمر قطيع من الماشية ولكن.. او بقرة من القطيع اسرعت نحو الطفل ووقفت تغطية بجسمها.. فظلت البقرة مكانها حتى مر القطيع كله وعندما جاءت امه تبحث عن ولدها وجدته على الارض سليما لم يلحقه أي اذى
كبر الخوف في قلب كبير السحرة وظل ثلاثة ايام وثلاث ليال يدبر خطة جديدة لقتل الطفل فسرق الطفل ووضعه في وكر الذئاب وقال في نفسه
حتى اذا لم تأكله الذئاب فلا شك بانه سيموت جوعا. ولكن الذئاب عندما عادت الى وكرها شمت رائحة الطفل فاقتربت لتنهشه ولكنها تسمرت فجأة في الارض وعجزت عن التحرك بينما دخلت عنزتان الوكر بغير خوف وراحتا ترضعان الطفل. فتوقع والده بعد كل ما جرى بانه سيصبح عظيم الشأن في المستقبل
لذا فقررا ان يعلماه احسن تعليم في البلاد
كبر زارا وتعلم القراءة والكتابة وجميع انواع العلوم فاحب الطب وكرس اعواما كثيرة للتطوع في التطبيب
ومن خلال عمله في مجال الطب ادرك جيدا معاناة الناس وتعاستهم فاخذ يتساءل؟ من اين تأتي كل هذه الشرور الى العالمـ؟
وراح يتمنى لو عرف مصدر ذلك العناء لاستطاع ان يحقق حلمه في جعل الناس سعداء

وذات يوم قال زارا لزوجته وكان اسمها هافويه: (ساذهب بعيدا لاعيش ناسكا لفترة من الزمن افكر خلالها في الخير والشر لربما عرفت مصدر العناء في هذا العالم)
ولكن الزوجة الحت عليه الا يفعل ذلك ويضيع وقته في البحث عن مصدر الخير والشر وهي بامس الحاجة اليه ولكن زارا اسبتد برأيه فخرج من البيت وانطلق الى جبل سايلان ولن يعود الا وقد اكتسب الحكمة المنشودة فظل هناك فوق الجبال يفكر محاولا فهم سر هذا العالم. لقد فكر في كل ما تعلمه من استاذه الحكيم وكان اسمه (بورزين كوروس) ومن ابيه وكهنته وفكر ايضا في جميع تجاربه بين الناس اثناء الحرب وخلال المجامعة التي مر بها البلاد (بلاد ميديا) ايران حاليا والسنوات التي اعقبت ذلك… وذات يوم جلس زارا امام كهفه الذي اوى فيه وسال نفسه عما اذا كان عليه ان يتخلى عن بحثه او ان يعود الى زوجته واطفاله.. واثناء ذلك غاصت الشمس في المغرب وراء الافق واصبحت السماء امام عينيه بين ذهبية وقرمزية وحمراء وبدأت الشمس تغيب خلف التلال وانتشر الظلام في الوادي تمتد وفجأة قفز زارا واقفا على قدميه وقد ملاه فرح عظيم. فقد امسك بيديه سر الحكمة التي يبحث عنها. لقد ادرك وهو يراقب غروب الشمس بان اليوم ينقسم الى قسمين
النهار والليل
أي النور والظلام وكان يعرف ذلك منذ طفولته ولكنه تاكد بانها سر الحكمة. وبما ان اليوم يتألف من النور والظلام اذن فالعالم يتألف من الخير والشر وبما ان الليل والنهار ثابتان في طبيعتهما ولم يتغيرا ابدا. اذن فلا يمكن ابدا للخير ان يصبح شرا والعكس
فالخير لابد ان يكون خيرا دائما اما الشر فلابد ان يكون شرا دائما
اذن فالسحرة والكهنة في نظر زارا هم جزءا من الخطا لانهم يعبدون الاوثان ويوهمون الناس بانهم لو صلوا لالهة الخير ستوقع الشر باعدئهم ولو تقربوا من الهة الشر لصنعت لهم الخير. فالهة الخير لاتصنع شرا والهة الشر لاتصنع خيرا. ادرك زارا بان العالم تحكمه قوتان هما الخير والشر وقال بان اهورامزدا(اله الشمس)هوقوة الخير وان(اهرامان)أي الشيطان هو قوة الشر
ولكن لماذا خلق الخير والشر وكيف على الناس القضاء على الشر.. فكل زارا واقفا على جبل سايلان وفجأة احس بنشوة روحانية تغمره وتنتشر في جميع جنبات نفسه وتلاؤها نورا وهاجا وقد رأى كائنا ناريا نورانيا يدنو منه وكانه عمود من نور حجمه يعادل تسعة امثال حجم الانسان يحمل في يده عصا من اللهب وقد حلق فوق رأسه في صورة عمود اخر من النور وامره بخلع ملابسه ثم انباه بانه ناهومانا اسم كبير الملائكة وانه جاء ليقوده الى السماء للمثول امام رب السماء
فصدع زارا بالمره ولم يلبث ان وجد نفسه لدى اله النور الاكبر الذي يحيط به ضياء عظيم وهناك تلقى كلمات الحق والحقيقة وتعلم اسرار الوحي المقدسة واستمع الى


امر النبوه


وبعدها افاق من نشوته وعاد الى انسانيته فقد تكررت التجربة الروحانية ثلاث مرات فقال (الان.. ساقول للناس واقود شعبي (الميدي) باسم اهورا مزدا من الظلام الى النور ومن الشقاء الى السعادة ومن الشر الى الخير)


نزل من الجبل واصبح مستعدا بحماس لاعلان حقيقة الخير والشر للناس ولكن الشعب الميدي انذاك لم يكونوا مستعدين للانصات اليه لان اغلبهم كانوا يعبدون الاصنام (الالهات) التي اعتبروها حقائق ملموسة بين ايديهم فلا يستطيعون استيعاب ما يقوله زارا عن الخير والشر فلا يمكن رؤيتهما او سماعهما ولمسهما لذا فهم لايؤمنون بوجودهما. وحتى اسرة زارا لم تؤمن بالتعاليم التي جاء بها
قام زارا بالدعوة لمدة عشر سنوات وهو يبحث عن المؤمنين وقد لقي في تلك السنوات من الشقاء والعذاب ما لا يتحمله بشر فقدت تخلى عنه اهله وعشيرته منذ اعلان رسالته فترك مسقط رأسه وراح ينتقل من مدينة الى اخرى حيث تسبقه اليها شهرته التي كانت تقول بانه رجل دعي يسب الالهات والكهنة فخشاه الناس وابوا ان يستضيفوه فقد غلقوا الابواب في وجهه فلا يجد امامه ليبيت لياليه الطويلة سوى حظائر الخيل والبغال ولكنه استمر ينال في سبيل دعوته وهو يقطع اراضي بلاد ميديا طولا وعرضا يعض الناس ويرشدهم.. ولكن لم يتبعه احد.. ومع كل هذا فلم يتركه ربه (اهورامزدا) الرب الرحيم. فقد انزل عليه الوحي سبع مرات وظهر له الملائكة الستة الكباء ليلقنوه اصول الحكمة وهؤلاء الملائكة الستة هم سلاطين العرش وهم رموز ومثل عليا لمعان انسانية مقدسة.. ثلاثةمنهم ذكور يمثلون
التفكير الطيب
والحق الاسمى
والاحسان


وثلاثة اناث يمثلون
الفداء


والخلود


والتقوى


لقد لقنه كل منهم حقيقة من الحقائق الكبرى، فتعلم حقيقة النار المقدسة والاسرار التي تنطوي عليه الارض وحياة الحيوانات والنباتات وخواص المعادن.. والسر في وجوب العناية بالماء والصراع الاول بين الخير والشر
ان الاعوام العشرة من النضال فيسبيل نشر دعوته لم تكد تنقضي حتى وجد زارا من يؤمن به
انه ابن عمه وكان اسمه


(ميتيوماه)
حيث قال لهُ


(ان تعاليمك شاقة جدا على فهم الناس)
وتأمل زارا في كلام ابن عمه وقال في اسف: نعم
وقال ميتيوماه
ولكنك اذا استعطت ان تسترعي نظر المتعلمين الذين تدربوا على فهم الافكار الصعبة والاراء المستعصية فلربما وجدت من يسمع لك. فهتف زارا وقال: اجل.. انت على حق.. فقرر زارا ان يبدأ بالمتعلمين من بني قومه ومن كان اكثر تعليما في البلاد ان لم يكونوا فهم الملك والملكة وبقية اعضاء الاسرة المالكة.. لا فانطلق زارا الى بلخ حيث قصر الملك ومركز حكمه ليشرح عقيدته للملك الميدي كوشتاسبر وعند ابواب القصر ظهر زارا وتراب السفر لايزال يغطي قدميه وقال للحارس
اذهب الى الملك واخبره اني انا زارا سبتاما نبي الاله الواحد الحكيم قد جئت لاراه واعلمه طريق الخير والشر. انفجر الحارس ضاحكا، فما كانت هيئته لتوحي كذلك.. كرر زارا وبلهجة قوية امرة
اذهب وافعل ما امرتك به فتوقف الحارس فجاة عن الضحك وارتعد فقد اخافه صوت زارا ونظراته الغاضبة وظل واقفا في مكانه بلا حراك. وامسك زارا بيده كرة من نار ووجهها في وجه الحارس وهو يقول
لتكن هيه ايتي وجئت باسم الاله الواحد الحكيم فنطلق الحارس بقوة واندفاع مذعورا الى قاعة العرش حيث الملك كوشتاسبر كان جالسا ويحيط به في مجلسه حكماؤه وكهنته فهتف الحارس وهو يلهث
بالباب رجل عجيب حقا يريد ان يراك ايها الملك وهويدعي بانهنبي من عند اله واحد ويمسك بيده كرة من النار تلتهب ولكنها لاتحرقه
سكت الملك برهة ولكنه انتفض وقال للحارس: فليدخل
لم يكن زارا يظهر لدى باب القاعة حتى ارتفع صوته في حرم رهيب
انا زارا سبتماما نبي الاله الواحد الحكيم جئت اليك ايها الملك لاحول قليل من الاصنام الشريرة الى حجة اله حق خالد حكيم
حدق الملك في زارا واقفا امامه رافعا رأسه بشموح فقال لملك بقوة وحزم
أي برهان لديك لتثبيت صدق دعواك ؟؟؟؟؟
اجاب زارااني اعلم كلمة الحق ضد كلمة الباطل فاذا شئت انت وحكماؤك ان تسألني فارد عليكم بما يثبت لكم ان طريقة عبادتكم للاصنام هو خطا يشوبه ظلام حالك امام طريقة الاله الواحد الحكيم فهو مشرق كضوء النهار
توجه الملك لحكماءه وكهنته وقال ايها الحكماء وكبار الكهانة اسألوا هذا الغريب على تعليماته وساجد بينكم بيان الحكم لاقرر اخر الامر ليكم على حق وايكم على باطل
اطل زارا الى الملك وقال له: هل تعدني اذا تحققت كلماتي ايها الملك ان تتخلى عن عبادة الاصنام وان تتبع طريق الاله الحكيم الواحد المتالق بالنور فوعده الملك وبدأت المناقشة الطويلة بين الوزراء والكهنة.. ارتفع صوت كبير في غضب: (ما هي هذه العقيدة الجديدة التي تبشر بها ايها الرجل وما هو الاختلاف بينها وبين عقيدة اباؤك؟
اجاب زارا: (لم اجئ لابشر بعقيدة جديدة ولكن جئت لتحسين عقيدة قديمة والذي اعرفه هو حقيقة الخالق وهو لهذا خير اما عبادتكم فليست حقا وهي لذلك شر. سأله كبير الكهنة (اتعني ان الشر والنار والجبال والنجوم بانها زائفة؟ اجاب زارا: كلا فهي ليست الهة زائفة ولانها ليست الهة على الاطلاق فالشمس والقمروالجبال ليست الهة وانما هي من صنع الخالق القوي
سأله احد الكهنة: من هو ذلك الخالق؟
اجاب زارا: انه اهورا مزدا اله الحكمة والحاكم الاسمى للعالم. وسأله حكيم اخر: تقول انه خلق كل شيء في العالم
قال زارا: خلق كل ما هو خير في العالم لانه الله خير وعاد الحكيم يسأل:ومن الذي خلق الشر اذن؟


قال زارا: اهرامان.. روح الشر هو الذي خلق كل ما هو شر في العالم.


وصاح كبير الكهنة في انتصار: اذن فهنا اكثر من اله واحدة في العالم
اجاب زارا بهدوء: (نعم ان دورة العالم تستمر 12000 سنة وفي اثناء 3000 الاولى كان هناك عالمان متجاوران.. هنا عالم اهورامزدا (عالم النور) وعالم اهرامان (عالم الظلمات)


فعالم النور في الاول والشر في الاسفل وبينهما فراغ مملوء بالهواء
وقال اهورامزدا لاهرامان
ان طرقك لا تتفق وطرقي وافكارك لاتتفق وافكاري وكلماتك ليست كلماتي واعمالك ليست اعماليفلنفترق وكان اهورامزدا يعلم المستقبل فعرض على اهرامان حفنة من الحرب طولها 9000 سنة فقبل اهرامان العرض وهو لا يعرف عن الماضي شيء

وعندئذ طال اهورامزدا بان الجولة انتهت بهزيمة عالم الظلمات وفزع اهرامان ولم ينته الا وهو يسقط في الظلمات ويقضي فيها لمدة 3000 سنة فخلق اهورامزدا في الارض بكل ما فيها من خير


سأله الحكيمـ: كيف اذن جاء الشر الى الارض؟
اجاب زارا: بدا اهورامزدا من روح الخير بخلق ارواح طيبة لمقاتلة روح الشر اهرامان

ولكن عندما علم اهرامان بذلك خلق ارواحا شريرة من جنسه ليقومـ بها الارواح الخيرة ثم خلق اهورامزدا النجومـ والكواكب وانتهى من خلق الارض لجعله


مكانا للخير والشر للنور والظلام


..................
دمتم سالمين